عندما شرعت فى كتابة هذه السطور سألت نفسى هذا السؤال : هل فعلا وراء كل رجل عظيم إمرأة ؟ أم أن العظيم ليس بحاجه إلى إمرأة ؟ وهل المرأة دوما هى العون والسند وهى السبب فى النجاح ؟ وأنا هنا لست بصدد الحديث عن دور المرأة فى حياة الرجل سواءا كانت أم أو زوجة وسند فى الديانات السماوية أو فى العصور القديمة والحديثة ، وإنما قصدت إلى أى مدى وقفت الزوجة التى سوف أتحدث عنها إلى جانب زوجها حتى نال لقب رجل الحرب والسلام ، الزوجة التى أفتتح كلامى بقول سقراط عنها ” تزوج فإما أن تصبح سعيدا ، وإما أن تصبح فيلسوفا ” !!
أنا هنا بصدد الحديث عن إمرأة هى الأولى فى تاريخ مصر التى تقام لها جنازة عسكرية يتقدمها رئيس الدولة
وكبار القادة العسكريين ، لما لهذه السيدة من دور عظيم فى حرب أكتوبر ، وتقديرا من القيادة السياسية أيضا لدور ” أم الأبطال ” خلال مشوار حياتها في خدمة الوطن ، ودعم زوجها الرئيس الراحل محمد أنور السادات تم منحها وسام الكمال ، كما أطلق إسمها على محورا مروريا يربط شرق وجنوب القاهرة .
أتذكر إبنى الصغير ” خالد ” وهو إبن السابعة من عمره ، وقد إختلست النظر عليه فى أحد المرات ، وهو يمعن فى دعك يده ، وبعد أن إقتربت منه ، دفعنى الفضول لسؤاله عن السبب ؟ فأجابنى : ببراءة الأطقال عاوز إيدى تبقى بيضا زى أخويا أحمد ، كنت وقتها أقرأ فى كتاب ” البحث عن الذات ” وهو الكتاب الذى ألفه الرئيس السادات فى أواخر السبعينات ، وكتب فيه مذكراته وقصة حياته ، ولم يكن أمامى من وسيلة إلا أن أمسك الكتاب فى يدى وأضعه أمامه وأسأله عن صاحب الصورة ؟ فأجابنى الرئيس السادات .
قلته له : لونه أسمر .. صح . أوما برأسه ، وأردفت أسمر منك ، صمت قليلا ، وقبل أن يتكلم أخرجت صورة للسيدة جيهان السادات ووضعتها أمامه وقلت : دى مراته .. هتقولى لى : إزاى القمر دا إختارت الرجل الأسمر دا . هقولك : إختارته علشان الرئيس السادات اشتهر بقوته وبصراحته وبذكاءهُ وحكمتهُ وبحبه لمصر و قدر يحقق لمصر النصر بعد هزيمه 67 . وبدأت أشرح له أن العبره مش بالشكل أو اللون ، وإنما كون هذا الرجل قائد وزعيم ، ودار بينا حوار طويل عن الرئيس السادات تالت رئيس لجمهورية مصر العربية بعد الرئيس جمال عبد الناصر ومحمد نجيب .
وأنه مولود فى قرية إسمها ميت أبو الكوم فى المنوفية ، وأنه درس فى الكلية الحربية ، وكان من الضباط الأحرار
و أنه حكم مصر من سنه 1970 لحد اغتياله فى 6 اكتوبر سنة 1981 . وقلت له من أهم الحاجات إللى عملها الرئيس السادات أنه أخد أخطر قرار فى تاريخ مصر ، وهو إعلان الحرب على إسرائيل فى أكتوبر عام 1973 وبعد ما إنتصرنا ، اتفاوض معاهم على السلام وكان فى موضع قوه ، وعمل اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل سنة 1978 . ورجع لينا بقية سينا من غير ما مصرى يتقتل فى حرب تانيه ، وفى سنه 78 حصل السادات على جائزة نوبل للسلام مع “مناحيم بيجن ” رئيس وزراء إسرائيل .
السيدة جيهان السادات ، وإسمها الحقيقى جيهان صفوت رؤوف وهى أرملة رئيس مصر الراحل محمد أنور السادات ، وسيدة مصر الاولى منذ 1970 حتى اغتياله فى 6 اكتوبر سنة 1981 م ، ولها منه ولد وثلاث بنات ” جمال ، لبنى ، نهى ، جيهان ” . جيهان السادات كانت أول سيدة أولى في تاريخ ج.م.ع تخرج إلى دائرة العمل العام ، وجيهان السادات هى الزوجه الثانيه للرئيس السادات بعد زوجته الأولى السيده إقبال ماضي وأم بناته الثلاث ” رقيه ، وراويه ، وكاميليا ” قريبات الشبه من والدهم .
كان للسيده جيهان السادات دور كبير فى رعاية مصابى الحرب فى مستشفيات القوات المسلحة .. وغيرها أثناء حرب أكتوبر ، وبإعتقادى أنها لو قامت بهذا الدور فقط فبها وكفى ، والحقيقة أن دورها فى متابعة مصابى الحرب لا يستطيع أحدا إنكاره . كانت جيهان السادات تزور المرضى ومصابى الحرب فى المستشفيات ، وكانت تتابع حالتهم الصحية ، حتى أن السيدة سامية الزاهد من جمعية الهلال الأحمر أقسمت بالله أنهم أثناء زيارتهم لـ أحد المستشفيات وجدوها تجلس على ركبتيها تستمع لـ أحد المصابين وهى تضمد جراحه ، فى سياق حديث الذكريات أدلى سيادة اللواء محمد على عبدالسلام أحد قادة حرب أكتوبر بأن السيدة جيهان السادات إستقبلتهم بعد فك الحصار وعودتهم من الجبهة قائله : كنت أتمنى أن أكون معكم على الجبهة لـ أغسل لكم هدومكم .
جيهان السادات قادت حملات للتبرع لصالح المجهود الحربي من نساء المجتمع ، ودعت وشجعت النساء للتطوع في الهلال الأحمر ، والانضمام لقوافل التمريض التى كانت تقودها لجرحى ومصابي الحرب ، حتى أنها كافأت السيدات المتطوّعات في خدمة المستشفيات أثناء حرب أكتوبر لـ جهودهن بالذهاب إلى آداء فريضة العمرة . ولم تنس جيهان السادات أهالي الجنود المشاركين في حرب أكتوبر ، فأنشأت جمعية ” الوفاء والأمل ” لتكون مركزا لرعاية مصابي وشهداء الحرب ، وهى الجمعية التى تعمل حتى اليوم تحت إدارة القوات المسلحة لـ رعاية أهالي الشهداء والمصابين منذ أكتوبر ١٩٧٣ .
جيهان السادات كما ذكرت كانت أول سيده تخرج إلى دائرة العمل العام بمظهر عصري غير مقيد بسلوكيات دينية . خاصه وأنها كانت السيدة الأولى ، وكانت صاحبة المبادرات الإجتماعية والمشاريع الـ إنمائية ، وكانت من مشجعات تعليم المرأة وحصولها على حقوقها في المجتمع المصري في ذلك الوقت . كما كان لها دورا كبيرا في إبراز دور المرأة السياسي في المجتمع المصرى ، وإتاحة الفرصة للنساء للمشاركة في الحياة السياسية ،
بقى أن أشير إلى أن جيهان السادات مولوده فى العاصمة المصرية القاهرة عام 1933 ، وهي ابنة الطبيب
المصري صفوت رؤوف والبريطانية غلاديس تشارلز كوتريل ، تزوجت من أنور السادات وهى فى الـ 16 من عمرها
عام 1949 . وكان من المتوقع أن تبقى بعيدة عن الأضواء مثل من سبقتها ، لكنها حالفت التوقعات وبدأت فى
وقت مبكر فى الدعوة للتغيير ، وللتأكيد على تعليم المرأة ، التحقت بجامعة القاهرة ودرست الأدب العربي
وتخرجت في عام 1978، وحصلت على درجة الماجستير في عام 1980 ، كما حصلت على الدكتوراه فى الأدب
المقارن من قسم اللغة العربية بكليه الآداب جامعه القاهرة عام ١٩٨٦
وفي عام 1979، أدى تأثيرها على زوجها إلى إصدار مجموعة من القوانين ، كما تم تخصيص 30 مقعدا في
البرلمان المصري للنساء ، وتم منح النساء حق الطلاق لتعدد الزوجات والاحتفاظ بحضانة أطفالهن . وبعد إغتيال
السادات ، استأنفت نشاطها الأكاديمى بإلقاء المحاضرات ، وإعداد الدكتوراة في جامعة القاهرة . وقامت
بالتدريس فى جامعة ساوث كارولينا الأمريكية ، وفى الجامعة الأمريكية في واشنطن العاصمة .. وغيرها
وفى الـ 9 من يوليو 2021 رحلت جيهان السادات عن عالمنا عن عمر ناهز الـ 88 عاما مخلفه وراءها أعمالا عظيمه
يطول الوقت لذكرها ، ندعوا الله تعالى أن يتغمدها بواسع رحمته .