إبراهيم نصر يكتب: 60 سنة أسير إلى ربى وأوشكت على الوصول
لا شك أن الإنسان بعد بلوغه الستين من عمره ـ وقد بلغتها منذ أيام ـ يستيقن أن ما بقى له فى الدنيا أقل كثيرا مما مضى،
فقد أخرج الترمذي وابن ماجه عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين، وأقلهم من يجوز ذلك”. وهذا هو الغالب على أعمار أمة سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ
وهذا لا يمنع أن فى الأمة من يموت دون الستين، أو يتجاوز السبعين إلى المائة ويزيد، وهذا هو القليل النادر، والمراد بهذا الحديث: أن غالب من يعمر من الأمة فإنه لا يتجاوز السبعين.
وذكر الطيبي – رحمه الله – أن الظاهر من الحديث أن عمر الأمة من سن المحمود الوسط المعتدل الذي مات فيه غالب الأمة ما بين العددين “ستين وسبعين”،
ومنهم سيد الأنبياء سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأكابر الخلفاء، كالصديق، والفاروق، وغيرهم من العلماء والأولياء الذين يصعب حصرهم.
الأعمار بيد الله
ويقول أهل العلم: إن أكثر ما اطلعناه على طول العمر في هذه الأمة من المعمرين في الصحابة والأئمة سن أنس بن مالك،
فإنه مات وله من العمر مائة وثلاث سنين، وأسماء بنت أبي بكر ماتت ولها مائة سنة، ولم يقع لها سن، ولم ينكر في عقلها شيء،
وأزيد منهما عمراً حسان بن ثابت، مات وله مائة وعشرون سنة، عاش منها ستين في الجاهلية وستين في الإسلام.
ومرجع الأمر فى ذلك كله أن الأعمار بيد الله، و”.. إِنَّ أَجَلَ اللَّهِ إِذَا جَاءَ لَا يُؤَخَّرُ ۖ لَوْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ” (سورة نوح ـ آية 4)،
فعلينا أن ننتبه جميعا إلى أن أعمارنا تمر وتنقضى، وكلما مر عام ينبغى أن نتذكر ما يتعين علينا فعله فى العام الجديد،
على مستوى الفرد والأسرة، بل على مستوى الأمة جميعها، وندرك بمرور الأيام، أن عجلة الزمن تدور، وقطار العمر يمضي،
وأيام الحياة تمر، فمن منا يتأمل ذلك جيدا، ويعتبر بما يجري؟، فالاعتبار مطلب شرعى، أمرنا الله تعالى به،
فقال سبحانه فى الآية الثانية من سورة الحشر: “.. فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ”، فالأيام والليالي، ما هى إلا مراحل نقطعها
إلى الدار الآخرة حتى تنتهى إلى آخر الرحلة،
وإن كل يوم يمر، بل كل لحظة تبعدنا عن الدنيا وتقربنا للآخرة، وإن هذه الأيام والليالي خزائن أعمالنا،
فهى محفوظة وشاهدة علينا بما فيها من خير أو شر، فطوبى لعبد اغتنم فرصها فيما يقربه إلى الله،
وطوبى لعبد شغلها بالطاعات واجتناب المعاصى، وطوبى لعبد اتعظ بما فيها من تقلبات الأمور والأحوال.
كلما ذهب يوم ذهب بعضك
قال أبو الدرداء رضي الله عنه: “يا ابن آدم إنما أنت أيام، كلما ذهب يوم ذهب بعضك”، فالعقلاء والحكماء من الناس
يتأملون في مضي الدقائق والساعات والليالي والأيام، ويعتبرون بما فيها من مواعظ وأحداث، فيقررون استغلالها فيما ينفعهم،
فإن كل ماض قد يعود إلا العمر، فإنه نقص في الأجل، ودنو من دخول القبر.
قال الفضيل بن عياض لرجل: “كم أتى عليك؟ قال: ستون سنة، قال: فأنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك يوشك أن تبلغ،
فقال الرجل: إنا لله وإنا إليه راجعون، قال الفضيل: أتعرف تفسير قولك: إنا لله وإنا إليه راجعون؟ إن من علم
أنه لله عبد وأنه إليه راجع فليعلم أنه موقوف، ومن علم أنه موقوف، فليعلم أنه مسئول، فليعد للسؤال جوابًا،
فقال الرجل: فما الحيلة؟ قال: يسيرة، قال: ما هي؟ قال: تحسن فيما بقي يغفر لك ما مضى،
فإنك إن أسأت فيما بقي، أُخذت بما مضى وما بقي، والأعمال بالخواتيم”،
فالعاقل من اتعظ بأمسه، واجتهد في يومه، واستعد لغده.
Ibrahim.nssr@gmail.com