الدكتور عادل القليعي يكتب : آليات النهوض بالبحث العلمي في مصر.. تصورات ورؤي شخصية.  

الدكتور عادل القليعي

بداية لابد أن نتعرف علي الأسباب التي دفعتني إلي الكتابة عن هذا الموضوع.
السبب الرئيس واقع البحث العلمي الذي نعيشه،وتدني مستويات البحوث العلمية والرسائل العلمية التي تعج بها ارفف المكتبات دون فائدة ولا طائل من وراءها اللهم إلا إهدار الجهد والوقت.
لا أعمم ولا أصدر أحكاما علي عواهنها ولكن من واقع ملموس معيش يحياه استاذ أكاديمي متخصص يعتلي منصات المناقشات العلمية منذ سنوات طويلة،كذلك من شكاية كثير من الأساتذة من تدني مستويات البحوث التي يشرفون عليها،ليست هذه الشكاية من أساتذة الكليات النظرية وحدهم ولكن لنا زملاء في كليات عملية مثل الطب والصيدلية والهندسة يشكون من عدم قدرة بعض الدارسين علي الإبداع في هذه المجالات وأن رسائلهم العلمية تحصيل حاصل لا تأتي بجديد.
والنتيجة الحتمية ليس ثمة تقدم وليس ثمة ابتكارات ولا استفادة من هذه البحوث في واقعنا المعيش ودليلي علي ذلك لو أخذنا مثالا علي إنتاج العقاقير الجديدة لعلاج بعض الأمراض المستعصية،لا نجد جديد اللهم إلا استيراد هذه العقاقير الطبية من الخارج،هذا بالنسبة للكليات العملية.
أما بالنسبة للكليات النظرية فما الجديد الذي ستضيفه وستثري به حياتنا ما الذي ستضيفه البحوث التي تقدم في الأقسام النظرية،صحيح هذه البحوث إثراء للعقل وتنمية ملكات التفكير وقد تفيد في مجالات علم النفس،والأثآر وأقسام اللغات،لكن متي،،اذا تم التخديم عليها جيدا بحيث لا تكون تحصيل حاصل،اي لا نأخذ من هناك ونضع هنا،أي لا نأخذ من مجلدات ونضع في مجلدات،والنتيجة صفر لا شيئ.
خطابي هذا ليس موجها للجامعات فقط،وإنما موجه لكل مراكز البحوث العلمية،من مراكز بحوث زراعية ،وجيوفيزيقية ومعاهد ومراكز التحليلات النفسية وغيرها،أيضا خطابي هذا موجه لكل من هو مهتم بالبحث العلمي في الوطن العربي، ويريد النهوض به.
ومن ثم لابد أن تتضافر كل الجهود والوقوف صفا واحدا في خندق واحد نضع أيدينا في أيدي بعضنا ونلتف بكل ما أوتينا من قوة خلف قيادتنا التي لا تألوا جهدا مواصلة للعمل ليلا ونهارا من أجل رفعة هذا الوطن.
لا نثبط ولا نهبط الهمم وإنما نتحد قدر استطاعتنا من أجل أن نبني وطنا قادرا علي المواكبة ومسايرة ركب التقدم العلمي والتقني علي كافة الأصعدة والمستويات،فلا يجوز بحال من الأحوال أن دولة بحجم بلدنا مصر الغالية أن تتوقف عن الإبداع والابتكار والمواكبة،من لا يكون لديه غيرة علي بلده وحمية وحماس لنهضة هذا البلد فلا يحق له أن يحيي ويستظل بسمائها ولا يشرب من نيلها.
يا سادة تحدياتنا كبيرة والمتربصون بنا كثر،فلابد أن نشمر سواعد الجد ونضع أعيننا وسط رؤوسنا لا بالكلام ولكن بالعلم والعمل الجاد .
يا سيداتي وسادتي لا يمكن لأمة أن تنهض وان تقوم وان تستمر إلا بالعلم،ما علمنا أن أمة قامت علي الجهل والجهلاء واعي ما اقول ليس عيبا أن نكون جهلاء ونعترف بذلك لكن العيب أن نظل هكذا ولا نتعلم وننتظر من يفكر لنا ويبدع لنا نحن لسنا إمعة تابعين لأحد وانما نحن مصر،نحن حاضرة العلم والثقافة ،نحن أهل الإبداع ولنا في علمائنا الذين سبقونا إلي الله الأسوة والقدوة في كافة المجالات في الطب في الصيدلية في الكيمياء النووية والذرية والطاقة،في الزراعة والصناعة والتجارة،في الفلسفة وعلم النفس والاجتماع والتاريخ في الفن التشكيلي وما يحتويه هذا الفن من ابداعات،في الموسيقي،في فنون الزخارف،لماذا لا نسير علي درب هؤلاء يا سادة هذا هو الداء الذي من الممكن أن نجد له دواء فنتحول به من داء عضال إلي داء له دواء،فليس ثم داء دون دواء الا الهرم،ونحن دولة فتية لم ولن تهرم دولة بها ثروة بشرية خطيرة إذا قدمنا لهم دواء ناجعا أعتقد أننا سنتعافي بسرعة كبيرة.
الاهتمام بالبحث العلمي في الجامعات والمعاهد والمراكز البحثية علي كافة مستوياتها وتخصصاتها.ويحمل ثمانية آليات.
أولا: تخريج باحث متميز دون مجاملة لأحد بمعني أنه علي الأستاذ دور فاعل في هذا الأمر من حيث توجيه الدارس إلي اختيار موضوعات حيوية تخدم الواقع المعيش دون مجاملة لأحد إذا وجدنا بحثا معتبرا نجيزه والعكس وهذا دور منوط به الأستاذ المشرف علي الرسالة أو البحوث.
ثانيا: معالجة مشكلة إحجام كثير من الدارسين عن الالتحاق ببرامج الدراسات العليا،نتيجة المغالاة في المصروفات الدراسية،والتعقيدات الإدارية الروتينية مما يصيب بعض الدارسين بالإحباط.
ثالثا: إعطاء فرصة للدارسين في إختيار مشرفيهم،بمعني لماذا يفرض بعض الأساتذة سيطرتهم وهيمنتهم علي الدارسين وإجبارهم جبرا علي التسجيل معهم،دعوهم يختاروا ولا تجبروهم جبرا،دعوهم يقبلون علي البحث العلمي بحب دون قيد،دون تهديد.
رابعا: علي الدارس أن يفكر جيدا في ما هو مقدم عليه هل هو علي قدر المسؤولية هل حقا يريد أن يقدم جديدا ام يأتي للتسلية لا نمتلك رفاهية الوقت وفراغه للتسلية أن كنت حقا تريد فمرحبا بكم وسنقفوا خلفلكم حتي تحققوا مرادكم كفانا تسلية كفانا لعب.
خامسا: علي الدولة توفير الإمكانيات اللازمة وإمداد الجامعات والمعاهد والمراكز البحثية بكل ما يحتاجونه من توفير معامل وأدوات معينة لإنجاح هذه المسألة.
سادسا: علي الدولة توفير حياة كريمة للأساتذة حياة يستطيعوا معها الإبداع والابتكار حياة مادية بالإضافة إلي المعنوية من تكريم ربنا تعالي في علاه للعلم والعلماء فالأساتذة لديهم أعباء معيشية فلابد من النظر الي هؤلاء حتي لا يغادروا بلادنا سعيا وراء المال الذي يحقق طموحات أسرهم المعيشية.
سابعا: احتواء الدولةللدارسين من الشباب الذين يقدمون علي البحث العلمي فهم عصب الأمة وثرواتها الحقيقية ويكون ذلك عن طريق تخفيض المصروفات الدراسية للالتحاق ببرامج الدراسات العليا فنعلم طلاب بحث جادييين اوقفتهم الظروف المادية عن إكمال دراساتهم علي الرغم من أنهم مشاريع لدارسين وباحثين جاديين ستستفيد منهم البلد وترقي وتتقدم الي الأمام.
ثامنا: ويمكن تلخيصه في ما يلى:1- الإهتمام باللجان العلمية التي تقوم بفحص إنتاج المتقدمين للترقيات للدرجات العلمية الأستاذية والأستاذ مساعد ، بمعني لابد من وضع آليات ومعايير لاختيار أعضائها سواء اللجان الدائمة أو المحكمين من الخارج .
2-وكذلك لابد من وضع شرط مهم ألا يتكرر دخول العضو لمرات متتالية ، إلا إذا ندر التخصص ، حتى نعطي فرصة للجميع ويحدث تكافؤ للفرص.
3-كذلك لابد وحتما في تشكيل اللجان العلمية أن تطرح الوساطة والمحسوبية جانبا وتنحية النزعات الذاتية فى اختيار المحكمين ، لماذا لأن من سيقع عليهم الاختيار هم من سيحددون من يرقى بإنتاجه أو لا يرقى فلابد من اختيارهم بمنتهى الشفافية دون محاباة أو مجاملة لأحد.
4-أيضا لابد من رقابة مستمرة من المجلس الأعلى للجامعات وكذلك من وزير التعليم العالي ، ورئيس الوزراء عن طريق تقديم تقارير دورية يقدمها رؤوساء اللجان للمجلس الأعلى والذي بدوره يعرضها فى الإجتماع الشهري للمجلس الأعلى للجامعات ، تقارير عن كل ما يقدم في هذه اللجان من أعمال ، للوقوف على ما يتم بداخلها وهذا لا يقلل ولا ينقص من استقلالية الجامعات بل يدفعها دفعا للنهوض والازدهار.
5-أيضا ، تفعيل دور المحكمين من الخارج ، بمعنى عدم قصر من يقوم بالتحكيم على مجموعة بعينها (أهل الحظوة)، وترك الآخرون ، فقد يمكث العضو ثلاث سنوات فترة الانعقاد ولا يرسل له عمل واحد ليحكمه والاسم عضو اللجنة لماذا لأنه ليس على هوى البعض.
6-السرية التامة لكل أعمال اللجان العلمية بدءا من إرسال الإنتاج للمحكمين إلى وصول نتيجة التحكيم للجان المختصة ضمانا لنزاهة وشفافية التحكيم اعطاءا لكل ذي حق حقه.
اعتقد أننا لو أخذنا هذا الكلام بعين الاعتبار ستتحقق المعادلة التي ليست صعبة،معادلة رموزها واضحة وشفراتها معلومة وأعتقد أنها بأيد أمينة يهمها مصلحة هذا البلد .
وفق الله الجميع لما فيه خير البلاد والعباد.

كاتب المقال أستاذ ورئيس قسم الفلسفة السابق بآداب جامعة حلوان

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.