الإعلامي محمود عبد السلام يكتب : فوضي الشارع !

الكاتب محمود عبد السلام
رجل المرور فى مصر مظلوم ..  الفوضى ضاربة بجذورها في أعماق الشخصية المصرية ، فلا أحد يؤمن بنظرية (امشي عدل يحتار ضابط المرور فيك )، الجميع يمشى في الشارع غلط ويركن سيارته في الممنوع ويعطل المرور بالوقوف فى منتصف الطريق وسائقو الدراجات البخارية ، والعاملون بمهنة الدليفرى ( الدليفرية ) أعصابهم محترقة وكأن أصابهم مس من الجنون ، يد تضغط على آلة التنبيه بهيستريا ، واليد الأخرى تضغط على البنزين ، يمرق بين السيارات كالسهم دون أى مبالاة ، ودائماً يسير عكس الاتجاه ، آلاف الحوادث يومياً .. وأنهار من الدماء بسبب الرعونة وقلة الأدب وانعدام الذوق واختفاء النظام ، ورجل المرور يجد نفسه يومياً واقفا أكثر من عشر ساعات بين هدير السيارات ونداء سائقى الميكروباص وجنون التوكتوك والدرجات البخارية ، فرد فى مواجهة تلك الجموع
الجميع يخطئ وهو عليه أن يقر النظام ويفصل بعدل بين المتشاحنين ، تستطيع أن تُعَْدل من سلوك فرد واحد خارج عن النظام المرورى أما انك تحاول أن تعيد الجميع إلى الصواب فهذا هو الجنون بعينه
ماذا سيفعل هذا المسكين ولا أحد يسعفه .. لا القانون حاسم .. ولا هو يملك تطبيقه أمام أصحاب المناصب ، ولا أمام البلطجية ومدمني المخدرات ، حالة من الجنون تلبست الشارع المصرى ، لا تستمتع بالسير فى شوارع مصر إلا فى الساعات المتأخرة من الليل
الدولة تقيم الكبارى فيأتى سائقو الميكروباص والتوكتوك ليحولوا مطالعها ومنازلها إلى ساحة انتظار ، توسع الدولة الشوارع ويأتى الباعة الجائلون ليحتلوا جوانبها فيعود الشارع مخنوقاً كالسابق ، الرصيف اسم غريب على أذن المواطن المصرى ، فهو مخصص لبضاعة المحلات والأكشاك وركن السيارات أو كما قال عمنا صلاح جاهين ( زحام وأبواق سيارات مزعجة … اللى يطوله رصيف يبقى نجا )
الفوضى تبتلع كل مجهودات الدولة فى تحسين صورة مصر ، السياح يأتون إلى مصر ليخوضوا
مغامرة عبور الشارع دون اصابة ، ثم يعودوا إلى بلادهم يحكون للآخرين عن الأهوال التى رأوها فى
الشوارع عندنا ونجوا منها ،
مخاطرة كبيرة ان تقود او تمشى فى شوارعنا فهى شوارع بلا قلب ولا رحمة ولا ضمير ، المرور
فيها للأقوى والأسرع والفوضوى،
فى ثمانينات القرن الماضى قام وزير الداخلية آنذاك اللواء المحترم احمد رشدى رحمة الله عليه
بضبط الشارع المصرى بقوة القانون ، لكن التجربة لم تستمر طويلاً فأسقطه الرعاع والمجرمين
وتجار المخدرات فتعلم من جاء بعده الدرس ، ويكتفى بإطلاق التصريحات والإعلان عن حملات ضبط
الشارع فى نشرات الأخبار وعناوين الصحف الصباحية .. هل الأمل فى إعادة النظام للشارع
المصرى ممكن ؟
الإجابة نعم وبالتأكيد ممكن جداً طبعاً ، اذا تضافرت الجهود بين وزارة الداخلية ووزارة الحكم المحلى
واستجاب المواطن للنظام ، وكللت الهيئات الإعلامية الثلاث جهود الدولة بعمل حملات لتوعية
الناس بأهمية النظام فى إعادة الحياة الطبيعية للشارع وانعكاسه على النشاط الاقتصادى وعلى
الأمان الذى سيعم خيره على المواطن نفسه .
فى الخارج وفى دول اقل تقدماً منا يكفى أن تضع لافته على مدخل الشارع لتقول ممنوع الدخول ،
أما عندنا فنحتاج أن نبنى حائط أسمنتى نسد به الشارع لنمنع دخول السيارات عكس الاتجاه ،
ورغم ذلك نستيقظ صباحاً لنجد فتحات كبيرة فى الجدار صنعها الخارجين على القانون تمر منها
السيارات عكس الاتجاه ، صحيح أن الشارع المصرى فى مازق لكن الحل ممكن لو استطعنا ابتكار
حلولاً جديدة تناسب مجتمعنا ، بعيداً عن زرع رجل مرور وحيداً شريداً فى مواجهة محيط من
الفوضى
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.