مع دخول الحرب الروسية الأوكرانية في شهرها التاسع بدأت الاحداث تتغير في كل يوم، و بالتالي تنوعت القرارات التي أصبحت تؤثر على العالم كله، خاصة عندما نجحت القوات الروسية هذا الاسبوع بصد هجوم بطائرات مفخخة من الجانب الأوكراني على اسطولها البحري في البحر الأسود في خليج سيفاستوبول في شبه جزيرة القرم،
هذا الحدث دفع روسيا إلى اعتبار أن هذا الهجوم موجه ضد القوات البحرية الروسية التي تؤمن عمليات نقل الحبوب الأوكرانية عبر مضيقي البسفور و الدردنيل إلي مختلف دول العالم، لذلك أعلنت روسيا تعليق مشاركتها في تطبيق الاتفاق لتأمين صادرات الحبوب الأوكرانية من الموانئ الأوكرانية، و أبلغت روسيا الأمين العام للأمم المتحدة بتعليق اتفاقية تصدير الحبوب، و بالطبع أثار ذلك القرار استياء الجميع، فلقد اعلن الرئيس الأمريكي ان ذلك القرار مشين، اما الأمم المتحدة فقد أعلنت ان هذا القرار سيكون له تأثير على دول العالم كله الذي يؤمن توفير الغذاء للملاين من شعوب العالم.
باستعراض تلك الأحداث يجب أن نضع تصور الرؤى الاستراتيجية لدول الصراع في خلال الثلاث اشهر القادمة، حيث أزي ان روسيا قد وضعت استراتيجيتها القادمة تجاه هذه الحرب على أساس استمرار التمسك بالخطوط التي وصلت إليها القوات الروسية حاليا داخل الأراضي الأوكرانية و التي تمثل 20% من أراضيها و عدم الدخول في عمليات هجومية قادمة للاستيلاء على أراضي أوكزانية جديدة مع استمرار تأمين الأربع مقاطعات أوكزانية التي تم انضمامها لروسيا مؤخرا و هم لوهانسك و دونيتسك و زابوريجيا و خيرسون
و في نفس الوقت تستمر روسيا بتوجيه ضربات صاروخية وهجمات طائرات مسيرة بدون طيار ضد الأهداف الحيوية المدنية الأوكرانية و بالذات محطات الكهرباء حيث بأعطالها تتوقف تبعا لها محطات المياه ولقد وصل الآن حجم التدمير فيها الي انقطاع الكهرباء عن ملايين الأسر الأوكرانية حيث تهدف روسيا الى خلخلة المجتمع الاوكراني و تدفعه للثورة ضد رئيسه الذي لا يؤمن له حياته المدنية و أبسطها الكهرباء في فترة الشتاء القادم،
و في حالة زيادة القوات الأوكرانية من العمليات العسكرية البرية ضد القوات الروسية يمكن ان تزيد القوات الروسية من الضربات ضد محطات المواصلات و خاصة السكك الحديدية الامر الذي سوف يزيد من غضب الشعب الاوكراني ضد حكومته في الفترة القادمة، تلك هي السناريوهات الروسية تجاه أوكرانيا.
اما استراتيجية روسيا تجاه الولايات المتحدة الامريكية ودول الغرب فسوف تهدف خلال الفترة القادمة الي قطع إمداد الغاز الطبيعي عن الدول الأوروبية من اجل إدارة حرب الغاز الطبيعي و التي سيتأثر بها المجتمع الأوروبي الذي سيواجه شتاء قارص دون تدفئة تدفع هذه الشعوب الي الثورة ضد الحكومات الأوروبية و هو الهدف الرئيسي لبوتن و هو تفتيت دول الاتحاد الأوروبي و حلف الناتو و التي ظهرت بوادرها مؤخرا باعتراض حكومات بعض الدول الأوروبية على تحرير سعر موحد للغاز الطبيعي،
حيث قامت بعض المظاهرات في بعض الدول الأوروبية ضد ارتفاع أسعار الكهرباء و الغاز و عدم ضمان استمرار التدفئة في شهور الشتاء القادم، لذلك تنتظر روسيا المعركة الذي بطلها الجنرال برد و الذي على اثرة سيتوقف قرار روسيا بعدها في الدخول إلى مفاوضات قادمة لأنهاء هذه الحرب مع نهاية فصل الشتاء، اما الاستراتيجية الامريكية تجاه هذه الحرب الروسية الأوكرانية حاليا، فهي لازالت كما هي لم تتغير و هي إدارة أوكرانيا حرب دفاعية ضد روسيا لأطول فترة ممكنة بهدف استنزاف الموارد الروسية العسكرية والاقتصادية مع قيام امريكا و الدول الاتحاد الأوروبي و الناتو بتقديم دعم عسكري دفاعي الي أوكرانيا يمكنها من إدارة المعركة دفاعية داخل الأراضي الأوكرانية، و كان ابسط مثال على ذلك عندما دعمت أمريكا أوكرانيا بالمدفعية الصاروخية هيمارس الذي يصل مداها الى 80 كم اشترطت أمريكا علي أوكرانيا عدم استخدام هذه الصواريخ داخل الأراضي الروسية حتى لا تضطر روسيا الي الرد على أوكرانيا بأعمال عسكرية مضادة قد تصل الى استخدام القنبلة النووية التكتيكية و هو امر تتحفظ عليه الولايات المتحدة دائما.
و بالطبع فإن دول حلف الناتو و الاتحاد الأوروبي مازالت تسير في فلك الاستراتيجية الامريكية تجاه هذه الحرب،
اما الرئيس الأوكراني فهو يدير حرب نفسية ضد روسيا في محاولة لاستمالة الدول الأوروبية لإمداده بالسلاح و
الدعم المالي لإصلاح ما دمرته اعمال القتال و القصف الروسي في بلاده، لقد اصبحت معركة خيرسون مفتاح
الاعمال القتالية في شرق و جنوب أوكرانيا حيث تقوم القوات الأوكرانية بهجوم مضاد لاستعادة خيرسون و التي
بسقوطها سوف يهتز موقف القوات الروسية هناك نظرا لموقعها الاستراتيجي فهي المنفذ الرئيسي الي شبه
جزيرة القرم التي استولت عليها روسيا عام 2014 و أعلنت ضمها الي روسيا كذلك سوف يخفض ذلك من الروح
المعنوية للقوات الروسية على جبهة الشمال، ومن هنا قامت روسيا مؤخرا بإخلاء معظم مواطني خيرسون الي
روسيا بهدف إدارة عمليات الأراضي الحروقة في حالة نجاح الهجوم المضاد الاوكراني و الاستيلاء على خيرسون
وهنا سوف تقوم القوات الروسية بتدمير المدينة بالكامل لمنع أوكرانيا من الاستيلاء عليها لذلك فإن الجميع ينتظر
الان معركة خيرسون في الفترة القادمة، اما بخصوص التهديدات التي اطلقتها روسيا خلال الفترة الماضية حول
الاستخدام النووي فلقد أكدت في مقالي السابق أن احتمالات الحرب النووية امرا غير وارد على الإطلاق بين
القوى الكبرى اما احتمالات استخدام الضربات النووية التكتيكية فإنه سوف يكون محدودا للغاية حتى لا يؤدي ذلك
الي تطوير الصراع بين الدول النووية و روسيا رغم ادعاء روسيا ان أوكرانيا ستقوم باستخدام القنبلة القذرة و هو
الامر الذي نفته كل من أوكرانيا و الولايات المتحددة، ورغم التوقعات العديدة المستمرة حول استخدام النووي الا
ان ذلك كله يأتي في إطار الحرب النفسية بين الدولتين لذلك مازال العالم كله ينتظر انتهاء العملية القتالية في
خيرسون ونتائجها حيث ستكون مفتاح الحلول في الفترة القادمة لذلك هل ستنجح الأمم المتحدة في اقناع
روسيا بإعادة اتفاقية المرور الامن للحبوب و التي قد تؤثر على دول العالم كله في الفترة القادمة و هل ستنجح
الدول الأوروبية في المرور من ازمة الشتاء القادم و توفير الغاز و التدفئة لشعوبها هذا ما ستقرره الشهور القادمة
لتحسم بعدها نتائج هذه الحرب التي اثرت على دول العالم بالكامل