إبراهيم نصر يكتب : توقير العلماء.. وشبهات الجاهلين

يطعن بعض الناس ـ هداهم الله ـ في العلماء، ويثيرون حولهم شبهات وجهالات ألقاها الشيطان عليهم وزينها لهم، وهى ناشئة فى الغالب الأعم إما عن الحسد أو سوء القصد أو الجهل وقلة الفهم، وقد اختلفت عباراتهم فى ذلك، وهي تدور حول الآتى:
– تارة يصفون العلماء “بأنهم علماء للسلطان يقبلون العطاء”
وهذه شبهة فاسدة لأن العلماء في هذا الأمر كالسلف يختلفون وليس مسلكهم واحد،
فمنهم من كان يدخل على السلطان ويقبل العطاء ومنهم من كان لا يرضى بذلك وهم الأكثر،
ومن دخل وأخذ فعل ما يعتقد جوازه وقام بالنصح وهو مباح على الصحيح، وإنما الخلاف في الأفضل،
وقد كان الزهري مع جلالة قدره في العلم والعمل يقبل العطاء الكثير ولم يقدح ذلك في منزلته
بل كان الناس عالة عليه في الحديث. وإنما يكون هذا مذموما إذا ترتب على الأخذ المداهنة والسكوت عن بيان الحق وتزيين الباطل.
– وتارة يصفون العلماء “بأنهم أهل دنيا مشغولون بالتجارة وجمع المال”
وهذه جهالة لأن النصوص صريحة أيضا في جواز ذلك، وقد كان جماعة من فقهاء الصحابة ومن بعدهم يتاجرون بالمال، وإنما المذموم
أن يترتب على ذلك الوقوع فيما حرم الله، وتسهيل الشبهات والانشغال عن التعليم وأبواب الخير ومداهنة أرباب الأموال.
قال عبد الرحمن ابن أبزى: “نعم العون على الدين اليسار”.
– وتارة يصفون العلماء “بأنهم لا يفقهون الواقع ولا يعيشون قضايا العصر”
وهذا من الافتراء لأن العلماء لا يتكلمون في الأحوال إلا إذا أحاطوا بها وتصوروها بما يطابق الواقع، وكلامهم مبني على
الأدلة الشرعية والقواعد المرعية فهم راسخون لا يتزعزعون ولا تتغير مواقفهم، ثابتون على تحقيق أصول الدين وشرائع الإسلام،
ومن تأمل في كلام العلماء في النوازل قديما وحديثا وجد أنه يدور في هذا الفلك، وقد تبين للعقلاء
أن كلام العلماء في الفتن والنوازل أقرب إلى الحق ومطابقة الواقع من غيرهم ممن يدعي معرفة الأحوال وليس أهلا لذلك.
– وتارة يصفون العلماء “بأنهم ساكتون عن بيان الحق متذرعين بالحكمة “
وهذا القول من الجهل بمكان، لأن العلماء يحيطون بقواعد الشرع ويدركون المصالح والمفاسد ويوازنون بينها، فيتكلمون أو يسكتون إذا رأوا المصلحة في ذلك، فكلامهم وسكوتهم حكمة، فليس الكلام بصراحة دائما وإثارة الأمور والتزام الحديث في كل حدث عالمي دليلا على موافقة الشرع في الأمر والنهي، وإنما موافقة الشرع في تحقيق المصلحة ودرء المفسدة وهذه هي الحكمة، وهذا المعنى محفوظ في الكتاب والسنة وآثار السلف وتصرفات الأئمة.
ونستفيد مما سبق أن العلماء يتفاوتون في باب الورع والزهد وقول الحق ونشر العلم، وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء، وليس من الإنصاف مطالبة العالم بالكمال في كل شيء، وكلما كان العالم أزهد في الدنيا وأرغب في الآخرة وأصون لنفسه كان أعظم في الإمامة وأرجى لقبول قوله عند الناس واقتدائهم به، وكل ميسر لما خلق له.
وأخيرا أود التأكيد على أن الأمة التى لا توقر علماءها لا خير فيها، فالعلماء هم مرجع الأمة وبإسقاطهم ينتصر المنافقون وأعداء الإسلام، وبإقصائهم يعلو شأن أهل البدعة ويستطير شرهم، وإذا رأيت الرجل يغمز العلماء فلا ترج فيه خيرا، واعلم أنه على شفا هلكة وسبيل بدعة. قال بعض السلف: من تكلم في الأمراء ذهبت دنياه، ومن تكلم في العلماء ذهب دينه.
اللهم اجعلنا ممن يوقرون العلماء ويعرفون قدرهم ويؤدون حقهم، ولا تجعل لأهل الباطل من الجهلة والسفهاء السفلة سطوة علينا.
Ibrahim.nssr@gmail.com