عبد الناصر البنا يكتب : أخي .. وأبطال صنعوا نصر أكتوبر العظيم ( 2:1 )

عبد الناصر البنا
مع نسائم إنتصارات أكتوبر المجيدة عام 1973 دعونا نترحم على شهداء لنا فى كل الحروب التى خاضتها مصر فى تاريخها الحديث منذ عام 1948 مرورا بأعوام 56 و 67 و73 وما تلاها من حرب على الإرهاب ، ضحوا بأرواحهم من أجل أن نعيش ، وبفضل تضحياتهم وبطولاتهم النابعة من عقيده المقاتبل المصرى الراسخة على مر التاريخ ” إما النصر أو الشهادة ” ودائما وأبدا نقول : َمَا النَّصْرُ إِلا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ” ، تحية إجلال وتقدير وإحترام لهؤلاء الشهداء الذين سطروا بدمائهم أسمى معانى التضحية والفداء ، والسجلات العسكرية تزخر بأسمائهم وملاحمهم البطولية وقصص استشهادهم ، وتحكى القصص والروايات عن دمائهم الذكية التى إرتوت منها ” سيناء ” الحبيبة !!
فى الذكرى الـ 49 لـ إنتصارات أكتوبر المجيدة سوف أتحدث عن الجندى البطل المقاتل ” وقود الحرب ” وعن قصص البطوله لكل مقاتل مصرى الذين ممن قال عنهم رسولنا الكريم (ص) أنهم خير أجناد الأرض وأنهم واهلهم فى رباط إلى يوم القيامة صدق رسول الله .
عندما يهل علينا شهر أكتوبر من عام نتذكر تلك الحرب المجيدة التى خاضتها القوات المسلحة المصرية والتى لايخلو بيت فى مصر من قصه أو وذكرى أو حكايه سمعها من أخ أو أب أو عم أو خال أو جار ، خاض خرب أكتوبر ، وأعتقد انه لاتخلو أسرة مصرية من شهيد لها فى هذه المعركة ، والحق أقول أن الحديث عن شجاعة المقاتل المصرى وتضحياته يعجز القلم عن وصفها ، ويعجز الخيال عن فهم القصص االتى تحكى بطولات وتضحيات هؤلاء الشهداء .
سوف أكتب عن إثنين من مقاتلى حرب أكتوبر المجيدة عام 1973 الذين شاركوا فى ملحمة النصر أخى ” نورالدين 1953 ــ 2020 ” الجندى المقاتل البطل الذى رحل عن عالمنا منذ عامين تقريبا ، وصديقه ” عمر يس ” أحد أبطال ” معركة كبريت ” الذى وافته المنية منذ شهرين تقريبا ، كان أخى مجندا ضمن قوات الدفاع الجوى وهو فى الـ عشرين من عمره ، وحصل خلال فترة تجنيدة على دورات متخصصة أهلته لـ يكون قارىء شاشة رادار فى محطات الرادار B 11 ، ومازلت أتذكر أمى وأنا إبن الـ 6 من عمرى وهى تكفكف دموعها وتنصت إلى الراديو بإصغاء شديد وهو يذيع البيانات الخاصة بعبور قواتنا المسلحة للضفة الشرقية لقناة السويس . وإقتحام المانع الترابى لـ خط بارليف المنيع وإلحاق العدو خسائر فادحة .. إلخ
والحقيقة أن فترة الخدمة العسكرية هى من الفترات التى يحلو للإنسان دائما الحديث عنها ، وأعتقد أن حكايات الحرب عندما تستمع إليها من أبطالها الحقيقيين تختلف كثيرا عما تقرأه فى الكتب أو الأعمال الدرامية ،. إلخ
إستمعت إلى قصص البطولات من أخى ، وكان دوما يستعيد معى ذكريات الحرب ، ويحكى لى طريقة عمل أجهزة الرادار المختلفة والمدى الخاص بها . وأنه كان قارىء على شاشة الرادار فى غرفة العمليات ، ويقول : أن الطائرة عندما تدخل مجالنا الجوى تظهر كنقطة مضيئة على شاشة الرادار يبدأ الأول فى تمييزها إن كانت طائرة مدنية أم عسكرية ، وإن كانت تابعه لنا أم للعدو ، ثم يبدأ فى رصدها زاويه وإرتفاع ويبلغها للقيادة مباشرة ، بل أنه كان واحدا من أمهر الرصدة ، ولاينسى أنه تمكن من رصد ” منطاد ” كانت تطلقه إسرائيل للأرصاد الجوية قبل إندلاع الحرب ، بعد أن أجمع الرصدة على أنه ظاهرة طبيعية أو سراب ، وخاصة بعد أن تكرر إطلاقه ولكنه بمهارة ودقة إستطاع تمييزه .
من المواقف التى لاتنسى أن اللواء أحمد كمال المنصورى أو ” الطيار المجنون ” كما أطلقت عليه إسرائيل كان ضيفا على التليفزيون بمناسبة الإحتفال بذكرى إنتصارات أكتوبر . وكنت على علم ان أخى خدم مع المنصورى أثناء الإشتباكات فى حرب أكتوبر ، وكانت كلمة السر التى أفشيتها له “خلى بالك يامنصورى أنت على القنال الطيران المعادى وراك ، خلى بالك ” ولما أخبرت المنصورى بتلك العبارات أصر على الـ إتصال به وتحدثا معا لفترة طويلة ، بعدها همس لى المنصورى وقال : إنت عارف أخوك ده أنا كانت روحى فى إيده ، وفى الذاكرة ماقاله أخى رحمه الله ، والله كل ما أسقطنا طائرة من طائرات العدو كنت أفرح وأقوم أحضن شاشة الرادار وأقبلها من شدة الفرح !!
الحقيقة أن مواقف وذكربات أخى ” نورالدين ” وأصدقائه عن المعركة والإستعداد لها والتدريب ، وعن السادات وخطة الخداع الإستراتيجى ، واللحظات الأخيرة قبل بدء المعركه ، والعبور وإقتحتم الساتر الترابى ، وقصص التضحية والبطولة ، وسنوات خدمتهم فى القوات المسلحة المصرية ، وثفرة الدفرسوار ومباحثات الكيلو 101 ووقف القتال ، والفريق سعد الشاذلى ، وإتفاقية السلام.. إلخ لاتنتهى !!
نورالدين من مواليد 9 أكتوبر 1953 وهو أحد أفراد أسرتنا المكونة من أب وأم وتسعة أبناء ، ولكونه أول ولد يعيش لأمى بعد أن مات لها ثلاثة أطفال فى سن الرضاعة ، كان قرة عين لها ، وقد أخذ النصيب الأكبر من الحب والعطف والحنان الذى إنعكس فى تعامله معنا .
طفولته لم تخلو من المرح الممزوج بالشقاوة ورغم ذلك كان متفوقا فى دراسته ، وكان قارئا نهما ، وقد عرفت الثقافة بيتنا فى وقت مبكر ، وكان عندنا راديو منذ عام 1962 ، وقد عرفت الصحف والمجلات طريقها إلى بيتنا ، وقد وعيت على الدنيا ويوميا فى بيتنا صحف الأخبار وصباح الخير وزوزا ليوسف وكتب الهلال ومجلة العربى وطبيبك الخاص إلى جانب روايات محفوظ والعقاد والحكيم ويوسف إدريس وإحسان عبدالقدوس وغيرهم بالطبع ، جنبا إلى جنب مع دواوين الشعر لكبار الشعراء ، وكان لذلك الأثر الكبير فى حياتى وحبى للقراءة ، وهذا فضل كبير قل أن يتوافر لشخص يعيش فى قرية فى أقاصى الصعيد فى هذا التوقيت !!
كما تشكل وجداننا على أغانى أم كلثوم وعبدالوهاب وفريد وفيروز وفايزه أحمد ونجاه وعبدالحليم بعد أن ظهر الكاسيت فى الثمانينات وكانت لدينا مكتبة موسيقية تضم كل أغانى هؤلاء العمالقة .
وأعود ثانيه لـ نصر أكتوبر المجيد لكى أأكد على دور ” الجندى ” المصرى المقاتل البطل الذى لايستطيع أن ينكره أحد ، وهو لايقل أهمية عن دور ” القائد ” فى المعركة ، وأأكد أنه يجب على الدولة أن تنقب عن هؤلاء الأبطال فى القرى والنجوع والكفور لـ تكرمهم ، وتعالج المريص منهم ، وتساعد المحتاج ، عرفانا وتقديرا لـ التضحيات التى قدموها من أجل وطنهم ، حتى لا يغفل أحد دور هؤلاء الأبطال الحقيقيين ” وقود ” المعكرة .
كانوا رجالا وأبطالا رغم حداثة سنهم ، وكانوا إمتدادا لـ ابناء القوات المسلحة والشرطة المصرية البواسل الذين يخوضون معركة شرسة ضد قوى الشر والظلام من الجماعات الإرهابية الضالة فى سيناء الحبيبة وكافة ربوع الوطن ، ويقدموا أرواحهم الطاهرة فداءا لوطنهم .. وللحديث بقيه !!
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.