الدكتور علاء رزق يكتب : يوم النصر تتابع لسنوات التنمية

الدكتور علاء رزق

سيظل يوم النصر يوم السادس من أكتوبر ١٩٧٣ يوماً عظيماً سنتذكره جيلا بعد جيل ، سيظل يوم النصر يوم العزه والكرامه ، يوم تفجرت فيه الطاقة الكامنة لدى شعب مصر العظيم بعد نكسة يونيو ٦٧, لتكشف للعالم قوة وصلابة وإرادة شعب استطاع عبر ست سنوات تحويل اليأس إلى رجاء، وتحويل الإنكسار إلى إنتصار وتحويل الألم إلى مخاض لميلاد يوم عظيم فى تاريخ سجل الأمة المصرية والعربية جيلا بعد جيل ، بل وفى تاريخ العالم الحر الذى ادرج فى وثائقه أن حرب أكتوبر من الحروب القليلة على مدار التاريخ التى تصنف على أنها مشروعة . مشروعية هذه الحرب تجلت في تماسك الجبهة الداخلية بصورة أذهلت العالم خاصة بعد رفض الداخل تنحى الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر،لتعكس للعالم إرادة وعزه شعب يحتاج إلى من يملك فتح شفرات مجده وكبرياؤه ، مشروعية هذه

الحرب تجلت أيضاً فى إصرار مصر تحرير الأرض مهما كانت التكلفة ومهما كانت النتائج، مشروعية هذه الحرب بسبب

تحقق وحدة الهدف والمصير لشعوب وقادة الأمة العربية وأن قضيتهم قضية عادلة لم تستطيع الأرض الحكم فيها

فجاء حكم السماء بنصر مبين على قوى الشر على كوكب الأرض ، جاء نصر أكتوبر ليغير مفهوم من أهم المفاهيم

التى إستقر عليها العالم طوال تاريخه وهو مفهوم الآمن القومي ،والذى كان يرتبط بقدرة الأمة أو الوطن على حشد

الطاقات العسكرية وتطويعها لتحقيق أهدافه والتى خرجت فى كثير منها عن المشروعية ليسود الإحتلال العسكرى

للدول التى إستطاعت الحصول على العتاد على حساب الدول التى لم تستطع الحصول عليه لأسباب تتعلق فى

مجملها على ضعف التماسك الداخلى وإضطرابه،إستطاعت حرب أكتوبر أن تغير هذا المفهوم وهو الآمن القومي

إلى قدرة الدولة على التنمية وهو ما صاغه ( الوزير ورجل الأعمال والإستراتيجي الدولى) ماكنمارا ،من أن قدرة

الدولة على تحقيق التنمية ستجعلها قادرة على حماية نفسها أولا ثم تحقيق اهدافها المستقبليه المبنية على

قوتها الإقتصادية وليست العسكرية ثانياً ،ليتقرر بعد ذلك أن القوة الشاملة للدولة مثل عربات القطار تجر بعضها بعضاً

ولكن القوة الإقتصادية وهى إحدى هذه العربات تمثل القاطرة التي تجر باقى عربات القطار. وفى هذا نؤكد أن

القيادة السياسية التى إستطاعت تحقيق النصر بقيادة الرئيس الراحل محمد أنور السادات بطل الحرب والسلام

إستفادت كثيراً من هذا التوجه العالمي الجديد فى صياغة مفهوم الآمن القومي ، حيث إستطاع الرئيس السادات

أن يدشن إستراتيجية لتحديث مصر تنمويا عبر القانون 43 لسنة 1974 وهو القانون المسمى قانون رأس المال

العربى والأجنبى والمناطق الحرة، الذي وضع آليات حاكمه لتحقيق الآمن القومي المصري عبر فلسفة إقتصادية

جوهرها التأسيس لمفهوم إقتصادي جديد يسمى الدولة التنموية وهى الدولة القادرة على ضبط إيقاع المعاملات

والأنشطة بصورة تحقق المزج والتنسيق بين القطاعين العام والخاص وعبر زيادة قوة قاطرة جر العربات وهى القوة

الاقتصادية ،ولكن للأسف تم وأد هذا التوجة لأنه إصطدام بعدم تهيئة المحيط الداخلى سواء القطاع الخاص او

منظمات المجتمع المدني وإشراكهما فى صناعة القرار ،وهو ما تنبه إليه الرئيس السيسي من ان جذب

الإستثمارات لن يتحقق بدون إظهار التماسك المجتمعي للجبهة الداخلية والتوافق بين القطاعين العام والخاص ، بل

والميل نحو ترجيح كفة القطاع الخاص وإعلان الرئيس عن أمله الا تقل نسبة مساهمة القطاع الخاص فى الإقتصاد

المصري عن ٧٠٪ وهو أمر كفيل بأن نقرر بأن الرئيس السيسي قد إستفاد جيداً من الدروس المستفادة من نصر

أكتوبر المعاصرة وعبر بوضوح عمق المقولة التاريخية بأنه إذا فشلت التجربة بالرغم من الجهود الكبيرة المبذولة فيها

فلا بد من إعادة النظر في منطلقاتها الأساسية ،فتجربة الإنفتاح الإقتصادي عام ١٩٧٤ فشلت لأنها لم تحقق وتصر

على الوصول للأهداف عبر آليات محددة رغم أن الصين إستلهمت هذه الفكرة وهى فكره الإنفتاح الإقتصادي عام 1979 على يد صانع نهضتها دونج سيتى بنج وذلك بإصراره على مجموعه من الآليات تم تطبيقها بصرامة ودقة

واضحةلم تستطع القيادة السياسية المصرية في ذلك التوقيت ان تنتصر بتحقيق هذه الآليات، ومجمل هذه الآليات

يتلخص في القدرة على تقليل الفجوة بين الشمال والجنوب عبر التركيز على الجانب الأقل حظا في التنمية، واليوم

نجد أن السيد الرئيس إستوعب ذلك باصراره التام على إحداث التوازن التنموي الجغرافى عبر التركيز على الجنوب

الذى أهمل ،رغم ما ينعم به من مقومات متنوعة إذا أحسن إستغلالها فسوف تقوى طاقة وقدرة عربة القدرة

الإقتصادية ومن ثم القوة الشاملة للدولة والتى ستنعكس حتماً على تحقيق الآمن القومي المصري فى كافة

الجهات الأربع التى حاولت بعض القوى الخارجية عبر تفعيل لحروب الجيل الرابع إثارة بعض الازمات فى الجهات الاربع

لمصر ليحدث المراد الإستراتيجي وهو تفتيت وتمزيق الكيان، وهو ما تستوعبه القيادة السياسية الآن عبر إصرارها

أولا على تحقيق التماسك المجتمعي خاصة بين مؤسسات الدولة والمجتمع المدني والقطاع الخاص عبر وضوح

هدف أساسى فى إستراتيجية مصر ٢٠٣٠ وهو أن تكون مصر من أقوى ٣٠ إقتصاد على مستوى العالم وهو ما يدفع

القيادة السياسية الآن من وضع أهداف مقاسة مثل هدف ١٠٠ مليار دولار صادرات سلعية غير بترولية خلال

السنوات الثلاث القادمة ،وهدف تحقيق تريليون دولار ناتج محلى إجمالى وهدف الوصول إلى تحقيق مؤشرات

تنافسية نضمن بها توفير بيئة مواتية لجذب الإستثمارات العربية والأجنيبة خاصة فى ظل الهجرة الأوربية لرؤوس

الأموال والشركات بعد حياد سويسرا عن الحياد ،الأن يجب أن نحلم ونعمل من أجل تحقيق هذا الحلم وهو السعى

نحو صناعة بيئة آمنة مصرية ونحن قادرين بالفعل على ذلك لجذب الإستثمارات الأجنبية المباشرة.ثانيا النجاح

الصينى تم عبر إستلهامه لفكرة الإنفتاح الإقتصادي المصرى مرتكزا على وجود حكومات أمينة اى لا تقوم بتغير

التوجه الإستراتيجى للدولة بل تاتى للبناء عليه وهو ما نقوم به اليوم فإستراتيجية ٢٠٣٠ لا تتغير بتغير

الحكومات,كذلك القيام بالبحث عن أصحاب الجدارة لتحقيق الأهداف الإستراتيجية وهو ما نسعى إليه الآن للتكيف

مع الازمات العالميه المتلاحقة التي فرضت علينا .روح أكتوبر ستستمر بفضل شبابها ورجال قواتها المسلحة

الباسلة وقيادتها السياسية الرشيدة، لتثبت يوماً بعد يوم ان مصر تستحق ان تعيش المعنى الحقيقي لوجودها

تحت هذه القيادة الراشدة.

كاتب المقال رئيس المنتدى الإستراتيجي للتنمية

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.