الإعلامي محمود عبد السلام يكتب : اكتوبر المجيد اقرأوا الفاتحة للشهيد

كان سكن فى ضمير غمار الناس استحالة هزيمة اسرائيل ، هزيمة ٦٧ تركت فى ضمير الامة الاحساس بالانكسار والذل والهوان ، وشاع ان خط برليف مانع صناعى مهول يحول بين النصر وبيننا ، ومثلت القناة مانع مائى يجعل من عملية العبور مهمة مستحيلة ، اضف الى ذلك امتلاك اسرائيل ترسانة من الاسلحة المتطورة التى يمدها بها الغرب وامريكا ، اطلقت النكات الساخرة من الهزيمة ومن القيادة المصرية ، وساد الاحباط وعم اليأس النفوس ، واكب ذلك نقص فى سلع اساسية كانت توزع من خلال بطاقات التموين والجمعيات الاستهلاكية ، كانت الاذان تتسمع للاذاعة بترقب دائم لعل الاذن تلتقط خبراً يشفى الغليل ويريح الصدر الممتلأ حسرة ، والعيون تقرأ الصحف وتشاهد التلفاز بانفاس لاهثة ، كانت حرب الاستنزاف على اشدها والعمليات العسكرية على الجبهة دائرة يومياً بين قواتنا المسلحة وقوات العدو ، اذهب الى ابى اساله لماذا لا نقتل العدو ؟
يرد باقتضاب سنهزمه باذن الله ، بعقل طفل وتصور برئ كنت اعتقد ان العدو شخص كبير الحجم مخيف شرس وغدار يقتل جنودنا على الجبهة ويغتال اطفالنا فى بحر البقر ، اتخيله مرة يركب طائرة واخرى يمسك مدفع ، الاستماع الى اغانى عبد الحليم الوطنية عقب بيانات حرب الاستنزاف كان طقساً اعلامياً ثابتاً خاصة اغانى مثل ( احلف بسماها وترابها ، فدائى ، البندقية اتكلمت ، عدى النهار ) هذة الاغانى كانت تخلق بداخلى احساس بضرورة الثار ، اتخيل نفسى جندىاً يستشهد احياناً ، او بطلاً يصاب ويكرم من الرئيس عبد الناصر ، كانت النوافذ كلها مطلية باللون الازرق والسواتر المصنوعة من الطوب الاحمر تستر ابواب البيوت الخارجية وكلما نظرت فى اى اتجاه تقرأ كلمة مخبأ عام وفى كل حى (زمارة كان يطلق عليها العامة اسم زمارة الخطر ) لتنذر بوقوع هجوم وشيك ، كانت اسرائيل تهاجم الجبهة الداخلية وتقصف المصانع والمدارس لكسر الروح المعنوية للشعب ، اذهب لشراء صحيفة الاهرام صباحاً ، يطلب ابى منى ان اقرأ له بصوت مرتفع مقال هيكل ( بصراحة ) ويسالنى فى اخر المقال ماذا فهمت ، ليلاً يجتمع رجال العائلة فى زيارتهم الاسرية الدورية لنا فى حجرة الصالون ، ادلف اجلس بين خالى وابى اتابعهم وهم يتبادلون الاراء مقال هيكل وحول الموقف الراهن ، وفى احد الليالى رايت الرجال تبكى لقد مات عبد الناصر ، تصدرت صورة الزعيم ذات الشارة السوداء مدخل بيتنا ، واعلنت مصر الحداد ، كان الحزن والانكسار مناخ سائد تلك الايام حالكة السواد ، ثلاث سنوات مضت بعدها ، ثلاث سنوات كان يخطط فيها الزعيم السادات مع رجال القوات المسلحة لعبور الهزيمة عبور القناة وتحطيم خط برليف ، كل التحليلات العسكرية كانت تشير ان مصر تحتاج الى قنبلة ذرية لعبور القناة وتحقيق الانتصار ، لكن مصر التاريخ مصر الحضارة مصر المذكورة فى القران الكريم مصر مهبط الانبياء والمرسلين مصر مصنع الرجال حققت المستحيل وكسرت كل قواعد الحروب العسكرية الحديثة ونفذت اكبر خطة خداع استراتيجى عرفها التاريخ وعبرت القناة وحطمت خط برليف فى ٦ ساعات ، حين عُدّْتْ من مدرستى يوم ٦ اكتوبر ظهراً استمعت الى اول بيان عسكرى ثم الثانى وتوالت البيانات حتى اعلن عن عبور قواتنا المسلحة المصرية القناة ورفع علم مصر على الضفة الغربية ، دوت الزغاريد فى بيتنا وترددت اصدائها حتى شملت الحى كله ، ست سنوات من الالم والحسرة كلها تبددت فى لحظة ، لحظة سجلها التاريخ ووقف عندها التاريخ العسكرى بالتامل والتحليل ، لحظة استعاد فيها شعب مصر العظيم عزته وكبريائه ، لحظة من المجد بعد ان كنا فقدنا الامل وتملكنا الياس، لحظةعادت لنا فيها الحياة والشرف والكرامة ، تحية من القلب والعقل والوجدان الى ابطال قواتنا المسلحة والفاتحة لروح البطل الشهيد انور السادات