الدكتور علاء رزق يكتب : التفاعلات الإنشطارية للسياسات النقدية

الدكتور علاء رزق
جاء تثبيت سعر الفائدة للمرة الثالثة على التوالي على سعر الإيداع والإقتراض لليلة واحدة والعملية الرئيسية في البنك المركزي على عكس توقعات الكثيرين ،خاصة بعد قرار الإحتياطي الفيدرالي الأمريكي رفع أسعار الفائدة للمرة الخامسة على التوالي معلنا إستمراريته في إتباع سياسة نقدية تشديدية وهو ما يثير مجموعه من التساؤلات التي ستنعكس حتماً على الإقتصاديات العالمية ومنها الإقتصاديات الناشئة وعلى رأسها مصر.
ففي اعقاب القرار الذي إتخذه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن إصدار أمرا بأول تعبئة عامة في البلاد منذ الحرب العالمية الثانية ليصعد الدولار معه لأعلى مستوى منذ 20 عاما، مدعوما بالسياسة التشددية من قبل مجلس الإحتياطي الفيدرالي الأمريكي والذي أعطى إنطباعاً على مستوى العالم بأنه لا توجد حلول غير تقليدية لمحاصرة التضخم المستشري في العالم ، فجاء قراره برفع سعر الفائدة للمرة الخامسة على التوالي خلال هذا العام لتصبح في نطاق ٣,٢٥% . إن حمل سلاح الفائدة المرتفعة في وجه الغلاء كنظرية كلاسيكية هى المثالية لسياسة نقديه تشديدية خلق وسيخلق مجموعة من الضغوط الدولية، فلا يخفى أن هذه السياسة ستؤدي حتماً إلى تحمل الإقتصاد الأمريكي آثار وتكاليف سلبية، مثل زيادة حجم المديونية الخارجية، وزيادة عجز الموازنة، وتضخم التكاليف، كذلك زيادة التداعيات السلبية على أسعار الأسهم ومعدلات الإستثمار، والتشغيل، والتصدير، والنمو . والسؤال الذي يطرح نفسه الآن بعد كل هذه التداعيات السلبية الخطيرة ، هل يستطيع الإقتصاد الأمريكي تحمل كل هذه التبعات الداخلية؟ وهل سيمتد أثارها إلى الإقتصاديات العالمية؟ ما نؤكد عليه أنه اذا كان الإقتصاد الأمريكي يستطيع تحمل ذلك فهل تم دراسه الأثار الخارجية للتفاعلات الإنشطارية للسياسات النقدية التشددية ومدى إنعكاساتها على السياقات الإقليمية والدولية التي تتحمل كثير من المشاكل السابقة سواء إقتصادية او أمنية او إجتماعية.
فرفع سعر الفائدة خمسة مرات خلال هذا العام في الولايات المتحدة الأمريكية يعني أمرين، الأول إما ضعف كامل في فاعلية هذه السياسة التشددية وعدم قدرتها على إحتواء وكبح جماح التضخم وهو ما نميل إليه بعد ما تلاحظ وصول معدل التضخم في الأسواق الامريكية إلى أكثر من ٩,١% وهو الأعلى منذ أكثر من 40 عاما، اما الأمر الثاني فهو أن تكاليف تداعيات التوجه نحو السياسة النقدية التشددية فى الحدود المقبولة إقتصاديا وهو ما نميل إليه. فالولايات المتحدة الأمريكية تعيش على المكانة الدولية التي يمثلها الإقتصاد الأمريكي مكنته من تحمل تكاليف تداعيات الرفع المستمر لإرتفاع الأسعار وتصدير جزء منها إلى كافة أنحاء العالم فى شكل تفاعل إنشطارى ، وهو ما نراه من النظر لمؤشر الدولار الأمريكي أمام باقي العملات الدولية ، ومع تكالب رؤوس الأموال الدولية على الإقتصاد الأمريكي للاستفاده من العوائد المرتفعه والخالية من المخاطر التي تقدمها السندات الأمريكية مكنت الإقتصاد الأمريكي في من إحداث التوازن في ميزان المدفوعات . فلا شك هذه السياسة التشددية الساحبة للسيولة الدولارية، والضغط على الطلب في الأسواق المحلية ما زالت تحمل قدرا أكبر من المناورة خاصة وأن معدلات البطالة المتزامنة معها في الحدود المقبولة، بل إنها إنخفضت عن ما كانت عليه أثناء الأزمة الروسية الأوكرانية ووصلت إلى ٣,٧٪ بعد أن كانت ٤٪ .
إستطاعت مصر أن تحزوا حزو بعض الدول المتقدمة إقتصاديا مثل اليابان التي إعتمدت على منهجية علمية عند إتخاذ قرار التثبيت تقوم على ان التضخم ناتج بدرجه كبيرة من عوامل خارجية دولية وإقليمية وليست محليه مثل إضطراب سلاسل التوريد العالمية، والمخاطر الجيوسياسية (مثل الأزمة الروسية الأوكرانية), وتغير المناخ ، وإنخفاض نمو الإنتاجية فضلا عن التغيرات الديموغرافيه كذلك فان مصر بإعتمادها قرار تثبيت سعر الفائدة فهي تتبنى سياسه تيسيرية تتماشى مع الإتجاهات الجديدة في الإقتصاد العالمي ، لأن زياد سعر الفائدة سوف تدعم التوجه نحو الركود الإقتصادى ،وهو ما أكده البنك الدولي من أن رفع أسعار الفائدة بشكل متواصل سوف تحدث سلسله من الأزمات المالية في إقتصاديات الأسواق الناشئة والنامية على حد سواء.
قرار المركزي المصري تثبيت سعر الفائدة للمرة الثالثة على التوالي يمثل رسالة تهدف إلى تحويل التركيز إلى:
تخفيض الإستهلاك وتعزيز الإنتاج , توليد إستثمارات إضافية، تحسين الإنتاجية، تخصيص رأس المال ، وزيادة النمو والحد من الفقر .
وهو ما أكد عليه الرئيس عبد الفتاح السيسي الثلاثاء الماضي فى الهيئة العامة للإستثمار ، موضحاً أن تحقيق صادرات مصرية خلال
السنوات الثلاث القادمة قدرها ١٠٠ مليار دولار ليس أمراً صعباً. وبالتالى فإن الأحداث السابقة تقلل من تداعيات التفاعلات
الإنشطارية للسياسات النقدية المتشددة التي تتعرض ل : تراجع أسعار العملات لأغلب دول العالم أمام الدولار الأمريكي بصورة غير
مسبوقة وغير معلوم مداها ، وإرتفاع الديون التي وصلت إلى اكثر من 240 تريليون دولار عام ٢٠٢١ نصيب العالم العربي منها أكثر ١,٨ تريليون دولار, والملفت أن نسبة الزيادة في الديون خلال السنوات القليلة الماضية تجاوزت الزيادات المجتمعة خلال نصف قرن
سابق ، وهو ما أثر على إستنزاف الإحتياطيات النقدية لكل دول العالم عدا الولايات المتحدة الأمريكية ، لأنها أثار صدرتها الولايات
المتحده الأمريكية لدول العالم عبر تفاعلات إنشطارية لسياستها النقدية التشددية، والتى تبرهن بها يوماً بعد يوم أنه لا توجد حلول
غير تقليدية لمحاصرة التضخم المستشري في العالم ، الا عن طريق التوصل الى المزيج الصحيح بين السياسات المالية والنقدية
في بيئة يسودها الدين المرتفع والتضخم المتزايد وزيادة تضخم المخاطر نتيجة إرتفاع اسعار الفائدة في العالم .
لذا في من الضروري في ظل حاله عدم اليقين ومواطن الضعف المتزايدة عالمياً، البحث عن تحقيق التوازن الملائم بين مرونهدة
السياسات وسرعة التكيف مع الظروف التي يعيشها العالم ونعيشها معه.
كاتب المقال رئيس المنتدى الإستراتيجى للتنمية
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.