جيهان عبد الرحمن تكتب : كلنا في الهم شرق

 

جيهان عبد الرحمن

كثيرة هي الأحداث التي أفقدتني شغفي للكتابة والتواصل مجددا مع الأصدقاء, جملة متلاحقة أصابت الهمه والإرادة في سويدائها, حتي أعادتني ” مهسا أميني ” تلك الشابة الإيرانية البالغة اثنين وعشرون عاما والتي لاقت ربها بفعل التعذيب الشديد علي يد شرطة الأخلاق الايرانية لأن حجابها حسب زعمهم لم يرق لهم, وتم توجيه تهمة سوء الحجاب التي تستوجب السجن, عقب وفاتها اندلعت المظاهرات الغاضبة في جميع أنحاء المدن الإيرانية وتم حرق سيارات الشرطة التي أعتلتها الفتيات وقمن بخلع الحجاب وقص شعرهن تنديدا لما حدث مع الشابة مهسا, لتقوم الشرطة بحملة أمنية قاتلة بالذخيرة الحيه حتي الأن خمسة قتلي ومئات المعتقلين, وبيانات تنديد من الأمم المتحدة وكثير من دول العالم والمنظمات الحقوقية للمطالبة بالتحقيق بالواقعة المؤسفة ووقف العنف ضد المتظاهرين والأهم هو المطالبة بإلغاء القوانيين التي تلزم النساء بوضع الحجاب والإ واجهن التعذيب السجن.
لماذا أخرجتني الشابة الايرانية من عزلتي لأنها تمثل نموذج صارخ للإستخدام الخاطئ للدين, واختزال القيم الدينية في جسد المرأة وملابسها وحجابها, وكأن الدين جاء فقط من أجل تهذيبها دون الرجال, من أين جاء هؤلاء أو غيرهم بأن الدين الاسلامي يسمح بفرض القيم الدينية والأخلاقية بالقوة والإيذاء النفسي والبدني حتي الموت, من قال ان الدين بعيد عن الإنسانية والرحمة والسلام والحق والعدل. من قال أن ينتزع الطفل شنودة الذي وجد لقيطا في حمامات أحد الكنائس منذ خمس سنوات مما يعني أنه مسيحيا, فينتزع من أحضان الأسرة التي أخذته ونسبتها لنفسها – خطأ – لأنها لم ترزق بالأطفال, ويتم تحويله بجرة قلم لمسلم ومن شنودة إلي يوسف ويودع أحد دور الرعاية بعدما كان معززاً مكرماً مع أسرة كانت تشتاق لطفل واعتبرته هدية من السماء, أين القانون وروح القانون بل أين الإنسانية, من قال لمتخذ القرار المتحجج بالقانون والقيم الدينية أن شنودة أو يوسف سيقوم بتحرير القدس وسيكون صلاح الدين الجديد, ليودع أحد دور الرعاية وما أدراكم ما دور الرعاية وما يحدث فيها, صحيح أن الأسرة أخطأت وكان عليها إتباع اجراءات حددها القانون في تلك الحالات لكن أبدا لايكون العقاب بالقتل المعنوي للطفل وللأسرة التي أتخذته ولدا, من لا يتعاطف معهم إنسانيا عليه مراجعة حاله مع الله, فما يحدث مع هؤلاء لا يقل فداحة عما فعلته شرطة الأخلاق مع الفتاة الايرانية مع إختلاف التفاصيل كلاهما قتل الأول مادي والثاني معنوي وكلاهما بإسم شرطة الدين والأخلاق, والله منهم براء.
من ترك هؤلاء المهوسين بالدين زورا وبهتانا ليفسدوا جميع اللوحات الاعلانية الخاصة بتعليم الموسيقي والرسم, في المنطقة التي أسكنها, من سمح لهؤلاء بتوقيف الفتيات في الشارع والمواصلات العامة لحثهم علي ارتداء الحجاب حتي يتميزن عن مثيلاتهن المسيحيات, من قال للسيدة التي كلفت نفسها عناء الاتصال بمحطة القراّن الكريم لتسأل هل إلقاء تحية السلام عليكم علي زملائها في العمل حرام وعليها أن تكف عنها حتي لا تذهب إلي النار, من قال أن قيام المرأة بممارسة فطرتها السليمة من إرضاع أطفالها ورعهايتهم وإعداد الطعام لأهل بيتها ليس من واجباتها وأنها غير ملزمة بذلك, من سمح لتلك المرأة أن تخرج علينا لتقول أن يوم زفافها قالت لزوجها أن حقك عندي في حجرة النوم فقط, من يريد تحويل المرأة لجارية خلقت لمتعة الرجل وكفي, من يريد العبث بالفطرة السليمة التي تبني عليها المجتمعات ويقوم بهدر القيم الإنسانية سواء عن جهل أو عامداً متعمداً وفق مخطط مدروس, مستغلا أن أكثر من نصف المجتمع يعاني الأميه والنسبة في زيادة رهيبه مع تردي أحوال التعليم وجعله للقادرين ماديا مهما أختلفت المسميات حوله, وأن التعليم المجاني أصبح أسما فقط وعمل شكلي لايغني ولا يثمن من جوع بل هو محاولة لإستنزاف ماتبقي لدي الفقراء من جنيهات مقابل شهادة جهل لا علم.
الدكتوره ناديه جمال الدين عالمة التربية العظيمة لخصت الوضع الحالي علي صفحتها وكتبت.. أن إهمال تعليم الشعب يعني أننا مجتمع يتاْكل ويتحلل ببطء لننتهي دون الدخول في حرب مع من ينتظرون نهايتنا نحن نقضي علي أنفسنا بأنفسنا.
علينا دراسة التاريخ والتعلم منه فثمة دراسات هامة عن هدم المجتمعات وفنائها يكفي فيها العبث بالقيم الدينية والأخلاقية وتحريفها أوحتي محاولة تطبيقها بالقوة كما يحدث حاليا في إيران وأفغانستان وغيرها, قوم لوط خالفوا القيم الأخلاقيه, وقوم شعيب خالفوا القيم الاقتصادية وطففوا الميزان, وقوم نوح غرقوا في المعاصي ومثلهم عاد وثمود, والإمبراطورية الرومانية والبريطانية التي لا تغيب عنها الشمس, المجتمعات تهدم وتفني بتفشي الظلم حتي من ظلم الانسان لنفسه, تفني بغياب العدل واتباع الأهواء, وهي عادة تبدأ من أصغر أسرة, وكما قال أمير الشعراء احمد شوقي نصحت ونحن مختلفون داراً… ولكن كلنا في الهم شرق.

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.