عبد الناصر البنا يكتب : 72 ساعة في العريش ( 2- 5 )
الحقيقة أن الدخول إلى شبه جزيرة سيناء يخضع فى الوقت الحالى إلى إجراءات أمنية شديدة الدقة ، وقد تصل إلى درجة ” التعقيد ” أحيانا ، والأمر يتوقف على مرونة وفهم الشخص الذى تتعامل معه ، وكان من حسن الحظ أن اتعامل مع أحد الضباط الأفاضل ، فى أول نقطة تفتيش على مدخل نفق إسماعلية ، وأعتقد انها النقطة الأصعب من حيث الإجراءات ، الضابط كان دمث الخلق ، شديد الإحترام ، وقد سهل لنا كثيرا فى إجراءات الدخول عندما تأكد من حصولنا على موافقه من الجهات الأمنية . وأنا أعتقد أن القارىء للأحداث التى مرت بها شمال سيناء ، لابد أن يدرك أن هذه الإجراءات هى من ضرورات الأمن ، وأنها فى المقام الأول تهدف إلى الحفاظ على حياة القاصد تلك البقعة وأهلها فى المقام الأول .
التعامل مع نقاط التفتيش على طول الطريق من القنطرة شرق إلى مدينة العريش يحتاج إلى صبر وطول بال ، وخاصه إن كان قاصد تلك المدينة من أبناء الدلتا أو الوادى الذين لم يعتادوا على مثل تلك الإجراءات ، وأنا قد ألتمس العذر لهؤلاء ، لأنهم يعملوا فى ظروف إستثنائية ، وأن أى خطأ فى عملهم وهو غير وارد قد يؤدى إلى ما لاتحمد عقباه ، وكونهم متيقظين على مدار الساعه ، ولا وقت للتراخى أو التكاسل لان العدو غدار ، حتى فى ويجب علينا أن ناتمس لهم العذر فى هذا التدقيق ، وهنا يجب علينا أن لا نضع عامل الوقت فى الإعتبار ، وأيضا على تلك الإجراءات التى قد تكون غير مقبوله فى الأحوال العاديه ، لكن هنا لابد أن تلتزم بالتعليمات ، والأوامر ، وتقف ولاتتحرك إلا وقت أن يسمح لك بالحركة .. وهكذا .
أفراد الأمن هنا ، رجال على قدر المسئولية ، وخاصة مع من يتبع الطرق الشرعية فى الدخول ، عندما يسمح لك بالمرور عبر النفق فهذا فى حد ذاته نوع من ” العبور” إلى أرض الفيروز ، وهو فى الحقيقه عبور بكل ماتحمله الكلمة ، الأنفاق تمثل شرايين حياة جديدة لـ أهل سيناء تضاف إلى نفق الشهيد أحمد حمدى والمعديات وكوبرى السلام ” المغلق ” أمنيا ، هذا الهدف السامى للأنفاق بصطدم بالواقع الذى يعيشه أهل سيناء ، وهذا هو الإنطباع الأول الذى خرجت به ، وعليه أقول : أن تنميه سيناء والخروج من الوادى الضيق لاتكون إلا بزراعتها بالبشر !!
تلك المساحات الشاسعة من الأراضى الصحراوية الصالحة للزراعة على طول الطريق الممتد من القنطرة شرق حتى العريش يمكن تنميتها بعمل هجرة جماعية من الوادى الضيق إلى شبه جزيرة سيناء ، وهذا يقتضى من الدولة أن تعطى تسهيلات للشباب العاطل عن العمل والحمد لله أن مايقرب من الـ 70% من التركيبة السكانية فى مصر هم شباب قادر على العمل والعطاء ، وأن تعطى لهم أراضى ” بدون ” مقابل ، بعد أن توفر لها مصدر الماء والطاقة .
أعتقد أنه لو تحققت تلك الخطوة من قبل الدولة ، فإنها تكون قد ضربت مائة عصفور بحجر واحد ” أهمها أنها إقتلعت الإرهاب من جذوره ـ وأحدثت تنمية حقيقية ونهضة زراعية صناعية وعمرانية ــ وقضت على البطالة .
كثره الإرتكازات الأمنية على طول الطريق ، وإن كانت نبعث فى النفس الرهبة ، إلا أنك لو حكمت عقلك ودققت النظر فى عيون هؤلاء الشباب تدرك أنهم أسود يحموا عرينهم وبلدهم بصورة تدعوا إلى الطمأنينة ، ولما لا وقد وضعوا أرواحهم على أكفهم من أجل توفير الأمن والحماية لك ولأفراد أسرتك على طول الطريق ، وحقا فإن نعمة الأمن والأمان لايشعر بها إلا من يفتقدها .
العريش اليوم مدينه آمنه 1000% ، ولكنك عندما تجلس إلى الأهالى تجد فى نفوسهم “غصة ” من أشياء كثيرة ، غصة وأنت تسمع منهم الأحداث التى مروا بها ، وترى بعينك الأماكن التى جرت فيها الإعتدءات بغته ، الحمد لله المدينة التى قرأت كثيرا عنها ، تنعم اليوم بالأمن والهدوء ، ولكن اللافت للنظر هجرة أهلها ، والسبب كما علمت من خلال الشباب الذين إلتقيتهم هو إنعدام أو قله فرص العمل أو وجودها على إستحياء فى بعض الدواوين والمصالح الحكومية ووحدات الإدارة المحلية والمدارس والشئون الإجتماعية والأوقاف .. إلخ .
أثناء وجودى فى مدينة العريش تم إفتتاح مطار ” المليز ” بعد تطويره وتغيير إسمه إلى ” البردويل ” ، أيضا اللافت للنظر أن أعمال التطوير إمتدت إلى ميناء العريش على الساحل الشمالى لمدينة العريش على البحر المتوسط فى منطقة ” الريسه ” لإستقبال السفن التجارية ، وإنشاء ميناء جديد للصيد ، وقد تناقشت مع بعض الأهالى حول أهمية أعمال التطوير فى الميناء الجارى العمل فيه بعد أن أبدوا تخوفهم من هدم منازلهم الواقعة فى نطاق أعمال التطوير ، وهاجس عدم تعويضهم ، حتى أن السائق المرافق كل مايشغله أن لايهدم منزله خشية أن لايجد مكانا لأولاده . والحمد لله أن تصريحات المسئولين كانت واضحه وقاطعه بتعويض كل من يتم نزع ملكيته.
كورنيش العريش لايقل أهمية عن الساحل الشمالى لمصر الممتد على طول البحر المتوسط غير أن هذا قد إمتدت له يد العمران وقصده عليه القوم منذ أن بدأ الدكتور ميلاد حنا المشوار إلى أن وصلت الفيلا فيه إلى الملايين . وذاك الذى يفتقر بكل أسف تماما إلى أى مظهر من مظاهر التنمية ، لدرجة أنى طوال الـ 72 ساعة التى قضيتها فى العريش إجمالى الأسر التى إرتادت الشاطى يمكن حصرها على أصابع اليد الواحده فى اليوم ، وهذا شىء محزن حقا ، فالشاطى يمتلك كل المقومات من ” طبيعة خلابة ساحرة ، ورمال بيضاء ناعمة ، ومياه صافية ، وجو معتدل مشمس ، ولكن للأسف ” بلا .. حياة ” !! .
وللحديث .. بقية !!