قراءة في المجموعة القصصية ( وجوه حريرية ) للكاتبة صوفي عبد الحليم
بقلم الأديب والشاعر محمد الشرقاوي
بين أيدينا مجموعة قصصية بعنوان ( وجوه حريرية ) للقاصة الأستاذة صوفي عبد الحليم ، ومن خلال قراءة أحداثها نجد براعة اختيار العنوان الذي أرادت الأديبة من خلاله إلقاء الضوء على بعض الوجوه التي يتمتع بعضها بالبراءة الحقيقية وبعضها الآخر يرسم البراءة قناعا حتى يصل لأغراضه ثم تنكشف الحقيقة السيئة لمثل هؤلاء ، ونجد هنا أن الأديبة تغوص في أعماق المجتمع وتتغلغل في النفس الإنسانية بكل ما لديها من محاسن ومساوئ ، وتوضح لنا ميلها وتعاطفها الشديد مع المرأة وقضاياها حيث ترى من خلال مقدمة المجموعة أن الأنثى لم تأخذ حقها ولا حظها من الكتابات التي تعبر عن قضاياها العديدة وارى أنها قد نجحت في ذلك بما تمتلك من تعليم وثقافة وتجارب وعمل أكاديمي في الصحافة مما أدى للتطور الطبيعي وهو دخول عالم الأدب من خلال مجموعتها الاولى هذه ، وإلى مزيد من التفصيل عن أفكار وأسلوب الكاتبة :
تحتوي تلك المجموعة على أربع عشرة قصة تتنوع بين الطول والقصر من حيث الأحداث والشخصيات وارى أن بها ما يعبر عن تجارب شخصية واقعية عاشتها القاصة وارتبطت بأحداثها عن قرب في مصر وخارجها ، ومن القصص الطويلة في أحداثها وزمنها : سندس ، اللسان المر ، ثريا ، أسياد وعبيد وقصة فيلدا ، أما أقصر القصص في أحداثها فهي : الهدية ، البكيني ، اللقاء المتأخر وقد جاءت بعض القصص على أسماء شخصيات خيالية تعويضا عن الشخصيات الواقعية كما أفصحت الأديبة ومن ذلك قصص : سندس ، ثريا ، فيلدا ، ندى ، زينات .
في القصة الأولى ( الهدية ) تخبرنا القاصة بما آلت إليه مشاعر الإعجاب التي أبداها نحوها أحد الرجال ، عندما قال لها : إعجابي بك وتقديري لك يزداد يوما بعد يوم . ونرى هنا أن تلك المشاعر ليست وليدة اللحظة وكذلك كيف كان رد فعلها حين تعاملت مع الموقف على أنه دعابة حين قالت : قربنا نوصل لحب ، ثم تتوالى الأحداث بين مشاعر المفاجأة والتمني لدى الرجل الذي حسم قراره بتقديم هديته وبنفسه ليبرهن صدق عواطفه ، وتلك الهدية على الأرجح شيء من المشغولات الذهبية ومعه رسالة نصية قصيرة تفصح بالرغبة في نمو المشاعر واتخاذ خطوات أكثر جراءة وحسما ويتضح ذلك من قوله : هل تقبلين ؟ وفي هذه القصة تكثيف شديد وسرعة متلاحقة في الأحداث وقد اجادت القاصة تصوير المشهد حتى يتخيله القارئ مجسدا أمامه وجاء انتقاء الألفاظ معبرا يخدم الحدث والفكرة مثل : إعجابي ، تقديري ، حبي ، تداعبني ، معنى ، رسالة . ونجد أن نهاية القصة تخالف ما توقعته القاصة حين حكمت على مشاعر الرجل بالإعجاب فقط نحوها لكنه أثبت لها عكس ما توقعته .
أما في قصة ( سندس ) فتحكي لنا الكاتبة عن فتاة مصرية ريفية تزوجت من أحد أبناء قريتها الذي عاش معه في أمريكا ، وبينما تتمسك بطلة القصة بأخلاقها رغم محاولات الزوج استدراجها لكنها تأبى بينما ينزلق هو إلى ملذات الحياة التي تبيحها تلك المجتمعات وتنتهي الأحداث بصمودها ونجاحها بينما يسقط هو في نهاية مأساوية ، وقد جمعت الكاتبة بين اللغة الفصيحة واللهجة العامية المصرية التي وظفتها على لسان البطلة تعبيرا عن بيئتها الأصلية ، وهنا تدعم القاصة بالمشاعر والألفاظ صمود تلك السيدة من خلال صبرها وإصرارها على التعليم في عمرها ذاك والمحافظة على شرفها وكرامتها حتى صار لها كيان مستقل ونزعت منه أملاكه للحفاظ على ولديها ويتضح ذلك في تلك الفقرة من القصة صفحة ١٧ : انتزعت سندس منه حقها بالكامل وأخذت منه البيت وألقت به على الدكة التي شهدت دموعها الغزيرة وحصلت على نصف ما يملك وحضانة ابنيها الصغيرين لتبدأ معهما رحلة جديدة من بناء جيل جديد لأم أصبحت جامعة وليست مدرسة فقط .
وفي قصة ( اللسان المر ) تلقي الأديبة الضوء على إحدى المساؤى المنتشرة ، ألا وهي الفحش في الكلام والجرأة بما لا يليق خاصة من السيدات ، فبطلة القصة هنا تقع في عدة مآزق مع من أحسنوا إليها وأكرموها وذلك بعد صدمتها من زوجها الذي استنفزها ماليا ثم تزوج من أقرب صديقاتها مما أجبرها على التجول في عدة دول بحثا عن عمل وكلما وجدته غادرته طردا بسبب قبح لسانها والخوض في أعراض الناس وبذلك أضاعت فرصا عديدة ولم تحفظ نعما كثيرة أعطاها الله لها .
وقد نجحت القاصة في عرض النتائج السيئة لاستخدام اللسان وافاضت في وصف ذلك حين قالت في صفحة ٢٦ : وعادت كسيرة محطمة والأغرب مصدومة لما حدث لها ، وانزوت تتجرع آلام وحدتها وتلعق مرار لسانها ، فقد أصبحت مجرد جرثومة . والكاتبة هنا بالغت في التوضيح أكثر مما يجب بكلمات تكررت ربما بلا إضافة ولم تترك للقارئ متعة التشويق والتجول بخياله فيما وراء الألفاظ وقد ورد في السطر الأول من القصة كلمة أخواتها ثم كلمة عددهم ، وأحد اللفظين خطأ فإن أرادت التعبير عن جمع إناث فحينها يكون الصحيح عددهن بدلا من عددهم وإن كانت تقصد جمعا به ذكور وإناث ، فالصحيح كلمة إخوتها بدلا من أخواتها وبالتالي يكون لفظ إحدى مناسب لجمع الإناث وخطأ في حالة الجمع المشترك ويكون الصحيح أحد ، وبصفة عامة هي قصة جميلة الفكرة عالجتها القاصة بأسلوب معبر وجميل .
في قصة ( صالات الوصول وصالات السفر ) تغوص الأديبة في ذكرياتها للتجسد أمام عينيها صور ومشاهد من المطارات وكل مشهد يعبر عن حالة شعورية محددة حيث تقول في صفحة ٢٩ : كنت أرى لكل ابتسامة قصة ولكل دمعة قصة أخرى ، ومع كل رحلة هبوط لصالة وصول أرى زخما من القصص المتسارعة التي تمر أمامي وكأنها شريط سينما في ماكينة مسرعة . بهذه العبارات وصفت الكاتبة ملخصا لأحداث القصة كما وصفت لحظات الانتظار من جانب أهل المسافرين ومحبيهم وقد وصفت ذلك وصفا دقيقا بكلمات معبرة حيث قالت في صفحة ٣٠ : لهفة الانتظار والنظر إلى ساعة اليد والتعلق بلافتة مواعيد الوصول وارتفاع نبضات القلب لاقتراب موعد الوصول والتشبث بباقة ورد وتصبب العرق أحيانا ، وآخر يحمل جريدة ويحاول الجلوس لقتل مرارة الانتظار ، لا تخلو من قضم الأظافر أو إشعال سيجارة أو هز الأرجل بصورة عصبية .
ونلاحظ مما سبق مدى معايشة الأديبة لتلك المشاعر ومدى اتحادها فيها من المسافرين والعائدين والمنتظرين ، وفي ختام القصة توضح لنا مدى التغير الذي طرأ على صالات الوصول والسفر سواء من ناحية المسافرين أنفسهم أو من جانب منتظريهم ، حيث أصبحت المشاعر جافة ولا تعبر عن ألم الفراق وتفسر لنا ذلك أيضا بقولها إن العالم قد أصبح قرية صغيرة ويسهل التنقل بها في كل وقت وقد وظفت الأديبة لغتها الجميلة في الوصف وتحليل المشاعر والتعبير عن الذكريات والحنين إليها .
في قصة ( اللقاء المتأخر ) تستمر القاصة في توضيح أهمية المشاعر الإنسانية من خلال تلك السيدة التي لم تكن تعرف طريقا للحب إلا عند لقاء هذا الشخص الذي أخلصت له ووهبت له نفسها وحياتها في حين ظلت المشاعر لديه متأرجحة مما أدى إلى فتور مشاعرها فكان هذا اللقاء الأخير الذي مارسا خلاله الحب شكلا دون مشاعر حقيقية ، ونرى ذلك واضحا في تلك الفقرة صفحة ٣٥ : الحب ليس لقاء الجسد ، الحب هو لقاء السحاب يحمل روحينا وقلبينا لنتعانق ونغيب بقبلات تطول إلى أن ينصهر منها السحاب رخات حب تغطي البشرية العطشى للحب . وفي ختام القصة تؤكد ما آلت إليه المشاعر حيث تقول في صفحة ٣٧ : أطفأت أشواقي وحنيني إليك ، ابتعدت عن مسرح حياتك ، وتجنبت طريقك ، فإذا بك تبحث عني وتتلهف للقائي ، أغلقت بابي ليس لك ، بل عليك .
وفي قصة ( سيدة القرية ) تروي لنا الأديبة قصة سيدة شابة صاحبة شخصية قوية وراي سديد ، لها دور في مجالس القرية وفض المنازعات ، تتعرض لمشاعر حب بعد سنوات من وفاة زوجها تجمدت خلالها مشاعرها ، لكنها تستسلم لهذا الحب رغم اختلاف ديانة المحبوب كما سيتضح ذلك في نهاية الأحداث ، هجرت قريتها مع حبيبها ثم عادت لتنال حتفها على يد أبناء قريتها انتقاما لما فعلت ، وقد عبرت القاصة عن عمق وتأثير المشاعر الإنسانية وكذلك مدى التزام المجتمع بمعتقداته الراسخة ، قصة زاخرة بالمعاني والأحداث ومن أجمل فقراتها تلك العبارات التي توضح الصراع بين العقل والعاطفة حيث تقول في صفحة ٤٢ : وفي المرآة أرى من يعنفني لما أراه يفضح عيني من الرغبة الجامحة التي تعتريني وارى ألم الليالي التي ستعصف بي لوما وندما بعدما تهدأ فورة رغبتي وأنهار الدموع التي سأذرفها لأتطهر بها ، ثم أرفا بحالي وأترفق بقلبي ، فالحب دائما يعمر القلوب ، وان الله لا يؤاخذنا عما يختلج بقلوبنا ويترفق بنا فهو الرحمن الرحيم .
وفي قصة ( البكيني ) والتي تتشابه إلى حد ما مع قصة ( سندس ) من حيث اختلاف البيئات والعادات والتقاليد ، تسرد القاصة أحداثا بطلتها شابة مصرية تعيش بالخارج مع أسرتها وخلال إحدى الزيارات لمصر تلتقي شابا تتعلق به ويناسب ذلك الأمل ما تحلم به أمها من ارتباط ابنتها وسعادتها بها مع شاب من أبناء بلدها ، وبعد تكرار اللقاءات والزيارات لمصر وعلى أحد الشواطئ تلتقي الأسرتان وتحدث المفارقة حيث إن والدة الشاب ملتزمة بارتداء النقاب في حين تبدو الفتاة بالبكيني كما تعودت بالخارج وبلا حرج في ذلك ، لكن ختام القصة جاء رائعا عندما أوضحت أن الشاب أسلوبها وفكرها دون تعنيف ولا تأنيب للفتاة وذلك في عبارات أوضحتها القاصة في صفحة ٤٧ : فاختلت الأم بالشابة الصغيرة وهمست إليها أنها تتطلع لزيارة العام القادم وان تراها بالحجاب مش بالبكيني . وقد ورد في صفحة ٤٥ لفظ أبويها والصحيح أبواها .
أما عن قصة ( ثريا ) فهي امتداد لتعاطف الأديبة مع المرأة والأنثي بصفة عامة ، حيث تحكي عن فتاة نشأت على الأخلاق وتطلعت للطموح وحققت الكثير من أحلامها في الحياة العملية ولكنها ظلت تتوق لحياة عاطفية إلى أن تعرفت على زميل لها تقرب إليها طمعا في شقتها وقد أوضحت الأديبة ذلك في صفحة ٥١ حيث تقول بعد تساؤل عن أسباب تقرب الشاب لها : إنها الشقة التي تملكها ثريا حيث كانت تلك الفترة تتسم بأزمة طاحنة في الإسكان وتتصاعد الأحداث لتكتشف البطلة أن زوجها يستعد للزواج من سكرتيرته فتسلب منه شقته الجديدة ولكن قسوة الاحساس تصيبها بشلل يقعدها على الكرسي المتحرك لكنها تظل محتفظة بإرادتها حتى تكمل دورها مع اولادها ، وتختم القصة على لسان البطلة ( ثريا ) إذ تقول في صفحة ٥٦ : الآن فقط بعدما كنت قاطرة الدفع لأبنائي ، أصبحت أشعر بأنني حمل ثقيل عليهم . وقد مزجت الكاتبة بين اللغة الفصيحة واللهجة العامية مثلما تكرر في قصص أخرى وقد وظفت ذلك للجمل الحوارية غير أن هذا المزج محمود لدى بعض النقاد ومذموم لدى البعض الآخر .
في قصة ( أسياد وعبيد ) تلقي الأديبة الضوء على إحدى الصفات السيئة التي تسكن داخل الإنسان ، ألا وهي الاستمتاع بمشاعر العبودية والحياة تحت سطوة وأوامر الغير ، فتقص الكاتبة تجربة شخصية لها حين تعرفت عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي على فتاة شابة نشأت على القهر والمذلة تحت سطوة زوجة أبيها وتمر الأحداث لتجد الفتاة نفسها عاجزة عن الحياة دون سيطرة إنسان ما عليها ، فبعد وفاة زوجة أبيها راحت تبحث عن بديل يحقق لها نفس المشاعر التي تغلغلت داخلها وعندما تعرفت على القاصة سعدت أيما سعادة ونرى ذلك واضحا في إحدى الفقرات على لسان القاصة صفحة ٦٠ : وانتهى حوارنا الأول بأنها قررت أن تدعوني بالملكة ، وتناديني ب مولاتي وشعرت أننا نلعب لعبة مسلية أو أنها ربما من هواة التمثيل وأنها تريد أن تعيش هذا الدور في قصة ما . وهنا تبرز الأديبة تعجبها من تلك الشخصية التي قرأت عن مثيلاتها لكن لم تصادفها في الواقع ، وتتطور الأحداث من خلال محاولة القاصة تحرير هذه الشابة من تلك المشاعر لكن محاولتها تبوء بالفشل والرفض التام ، ثم تتطور الأحداث لتطلب تلك الفتاة أوامر جديدة من ملكتها وترغب في مزيد من الولاء وفروض الطاعة ويتضح ذلك من تلك العبارات على لسان القاصة صفحة ٦٥ : فسألتني عن فروض الطاعة التي أحبها كي تؤديها لي ، فأجبتها إن الطاعة لله وحده فرحلت وعملت لي بلوك . والقصة في مجملها وصف لكثير من البشر خاصة في الأوساط الديكتاتورية والمنهارة اقتصاديا وقد أجادت الأديبة الأستاذة صوفي عبد الحليم في السرد وتصوير الأحداث لحظة بلحظة من بدايتها لنهايتها .
وفي قصة ( الذكاء الأسود ) تقص لنا الأديبة قصة فتاة من دول الشمال الأفريقي والتي قدمت إلى باريس لتعيش بها وتجد رغدا ورفاهية ، وفي سبيل تحقيق ذلك وظفت ذكاءها ومكرها وخططت جيدا ، بحثت أولا عن شخص ترتبط به إلى أن خطفت شابا من أسرته وكان شرقيا يعيش مع زوجته الفرنسية التي وقفت بجواره بكل ما تملك وبعد التنكر لها وانكشاف أمره يرفض العودة معها ونقرأ ذلك في إحدى الفقرات صفحة ٦٩ : في الوقت الذي كانت زوجته تبحث عنه وتسأل عنه كل الأصدقاء حتى توصلت إليهما وانتهى الجدال إلى رفضه العودة معها .
وتستمر الأحداث في تصاعدها حتى تستحوذ الزوجة الأفريقية على كل شيئ لدى الزوج الذي يسقط فريسة للأمراض ، وهنا تبدي الأديبة تعجبها من هذا المكر الأسود وتطرح تساؤلات عدة حتى تدعو القارئ للمشاركة في الحكم حيث تقول في ختام القصة صفحة ٧١ : ترى هل الشياطين تجسدت في صورة بشر ؟ ترى هل هي بشرية ؟ ترى هل أبواب الجحيم ببعيدة عنها ؟ وقد ورد في صفحة ٦٧ لفظ عينيها والصحيح عيناها وفي صفحة ٧٠ كلمة ذكاءها والصحيح ذكاؤها .
في قصة ( الزار ) تتناول الأستاذة صوفي إحدى العادات الاجتماعية من خلال ابنة عمها التي أصيبت بمرض ما وكان زوجها ( الشيخ علي ) من علماء الأزهر الشريف والذي يحارب البدع ومنها الزار ، لكن تعقد مرض زوجته يجعله يستسلم أخيرا لإقامة الزار بعد وقوع العديد من الحوادث التي أربكت الأسرة . ونرى بعض الفقرات التي تتحدث فيها الزوجة المريضة صفحة ٧٦ : فقرر الشيخ علي يعمل كتاب عن حرمانية الزار ، يعني ليه الزار حرام ونعارضه مع الدين الإسلامي وعدم الاعتقاد بالإيمان به وما إلى ذلك . وتنتهي القصة باستمرار القرين ( الشيخ معاوية ) ملازما للمريضة رغم الهدوء النسبي بعض الشيء .وقد صورت الأديبة الصراع القائم دائما بين العلم والجهل ومدى قناعة الناس بالحلول الموروثة من قديم الزمان .
وفي قصة ( فيلدا ) تضرب الأديبة مثالا لما يحدث في الدول الفقيرة من معاناة وقسوة في العيش تضطر البعض للهجرة غير الشرعية ومن ثم التعرض لكل صنوف القهر والذل والاستعداد للموت في كل لحظة بالإضافة لاغتصاب السيدات جهرا وسحقهن والتلاعب بأعراضهن من قبل مافيا وعصابات التهريب ، وبطلة القصة ( فيلدا ) عانت من كل ذلك بعد نشأة بائسة وابتزاز من قبل زوجها وتعرضها للسجن مما أدى بها لقرار الهجرة وتحمل ما لم تكن تتخيله يوما ما ، وتقول فيلدا في إحدى فقرات القصة صفحة ٨٧ : وتم اغتصابي عدة مرات في هذا البيت نظير حمايتي من الآخرين وإطعامي ، وتعرضت كل النساء والفتيات للاغتصاب أمامنا جميعا دون أن يقوى أحد على الاعتراض فليس هناك سوى القتل بالرصاص . وهذه القصة من أكثر القصص بؤسا وتصويرا لهذا العالم المتوحش الذي لا يعرف أدنى معاني الرحمة والعطف والمروءة .
وفي قصتي ( ندى ) و ( زينات ) تستمر الأديبة في عرض المشكلات التي تؤدي للتفكك الأسري والانحلال الأخلاقي ، ففي قصة ( ندى ) تتعرض البطلة الشابة لتصرفات غير سوية من أبيها المنحرف مما يصيبها بصدمة قوية ، أما قصة ( زينات ) فتحكي عن زواج الفتيات الصغيرات من أثرياء عرب دون مقابلتهم ويتم الزواج كصفقة بيع وشراء دون النظر للمستوى العلمي أو الثقافي أو التقارب في العمر مما يحدث خللا نفسيا واجتماعيا يؤدي لمشاكل لا حصر لها .
وأخيرا نتقدم بأرق التهنئة للكاتبة الأستاذة صوفي عبد الحليم ونتمنى لها مزيدا من التوفيق في أعمالها القادمة ونرحب بها ضمن قافلة الأدباء والأديبات .