يمر العالم حالياً بأربع أزمات متضافرة نتجت عن أربع جوائح متعاقبة الأولى جائحة الأسواق الناشئة عام ٢٠١٨ والثانية جائحة كورونا أواخر عام ٢٠١٩ ،الثالثة جائحة روسيا وأوكرانيا ، والأخيرة جائحة الصين والولايات المتحدة الأمريكية
، هذه الجوائح خلقت أربع أزمات الأزمة الأولى: هى زيادة معدلات التضخم عالمياً بصورة غير مسبوقة خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية التى لم تعهدها منذ الأزمة الإقتصادية عام ١٩٢٩,وتحت وطأة الضغوط التضخميه بسعر الصرف والقرارات المتوقعة برفعها من قبل الفيدرالي الأمريكي، أو ما يشهده العالم الآن من تغير في الدورة الإقتصادية بما سيحد من التدفقات الحرة للأسواق الناشئة ومنها بالطبع مصر ،
لكن ما يشعرنا بالإرتياح أن أرقام التضخم لدينا فى نطاق المستهدف ، كما أن سعر الصرف ثابت إلى حد ما،لكن التحدى الحقيقى لنا وللأسواق الناشئة هو التوجه الإنكماشى فى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا التى ستواجه عاما صعباً بكل المقاييس ،
ويمكن أن نؤكد أن تعاملنا بحنكة مع عجز الموازنة العامة للدولة سوف يساعدنا على تخفيف الآثار الضارة على برامج الحماية الإجتماعية ،وقد يكون التأخر في تكوين عقود تحوطية ضد إرتفاع أسعار السلع الأساسية مثل القمح والزيوت وغيرها من السلع والتى زادت بصورة غير مسبوقة خلال الفترة الماضية قد أدت إلى زيادة فاتورة الدعم والذى من المؤكد أنه سيتحول إلى دعم نقدي خلال الفترة القادمة ،
فالدولة تدعم ٧٢ مليون مستفيد لرغيف الخبز ، حيث ننتج ١٢١ مليار رغيف تتحمل الدولة فيه دعم يقدر ب٣٦,٥ مليار جنيه ،فى حين يتم دعم ٦٤ مليون مستفيد للسلع التموينية بقيمة تتحملها الدولة قدرها ٥٣ مليار جنيه ،كذلك فإن الزيادة فى الإنفاق على الصحة ٢١٪ والتعليم ٢٣٪ هى أكبر من حجم الزيادة أو النمو فى المصروفات التى بلغ ١٤,٨٪ خلال العام المالي ٢٢ /٢٣ .
قد يكون عجز الموازنة العامة قد انخفض عن السنة المالية الماضية ووصل إلى ٦,٩٪ ولكن نحتاج إلى خطة ذكية تضمن لنا الوصول إلى ٣٪ عجز . الأزمة الثانية هى أزمة السلع الغذائية وتأثر سلبى لسلاسل التوريد العالمية مع توقع عام قادم صعب على أوروبا تحديدا نتيجة لشبه جفاف فى أكبر الأنهار الموجودة فيها ،
وفى المقابل نجد أن القيادة السياسية كان لها بعد النظر فى قراءة حقيقية للسيناريوهات المتوقعة مستقبلاً عبر تدشين رؤيتها فى تحقيق ثورة جغرافية واسعة تنقل مصر من الحيز العمراني الضيق عبر آلاف السنين إلى رحاب مصر الواسعة بإضافة أكثر من ٧ مليون فدان إلى رقعة مصر الزراعية غير الكافية لتحقيق إكتفاء ذاتى خاصة من السلع الإستراتيجية ،
صادرات مصر الزراعية ومن السلع الغذائية وصلت مؤخرا إلى ٤ مليار دولار وهى بذلك ضمن أكبر ثلاث قطاعات فى التصدير ،ونرى أن الرهان يجب أن يكون على هذا القطاع وهو الزراعة الذى من الممكن أن نحقق من خلاله ما عجزنا أن تحققه فى قرنين من الزمان ،
مطلوب فقط إدارة ملف التفاوض بحنكة مع الدول الأوربية لضمان إمداد الغذاء والغاز لهم مقابل إمداد وتوطين التكنولوجيا لنا ، وإتباع أنواع جديدة من المنتجات ذات الفائدة للصحة العامة وزيادة القدرة التصديرية، وهو ما أكد عليه بيل جيتس من ضرورة إعادة صياغة الجينات Gene Editing
،بما يمثله ذلك من حزمة كبيرة من التكنولوجيا الجديدة التى دخلت الإنتاج الزراعي والحيوانى وهو الضمانة الحقيقة للتخلص من المجاعة ، وإعطاء المزارعين القدرة على زراعة محاصيل وتربية الحيوانات الأكثر إنتاجية فى اللحوم واللبن والتكاثر.وقد دخلت مصر فى هذا التوجه من خلال زيادة تنافسية الصادرات الزراعية عبر محاور تحقق من خلالها الأمن الغذائي،منها التوسع الأفقي في مساحة الأراضي الزراعية،والتوسع الرأسى عبر أصناف عالية الجودة والإنتاجية،
وكذلك ممارسات زراعية حديثة، والأهم هو زيادة الاستثمارات فى القطاع الزراعي بدخول القطاع الخاص بنسبة لا تقل عن ٦٥٪ فى جميع القطاعات وجذب ١٠ مليار جنيه استثمارات أجنبية خلال السنوات الأربع القادمة. الأزمة الثالثة هى أزمة الوقود التى طالت العالم بالكامل وتسببت في إرتفاع غير مسبوق في أسعار النفط والغاز مع توقع شتاء قارص على أوروبا ،
فلأول مرة يصل إجمالي. الصادرات البترولية إلى ١٣ مليار دولار وهى إشارة تعكس تصاعد النجم المصرى فى أن يكون لاعباً أساسياً فى مجال الطاقة فى منطقة الشرق الأوسط على الأقل. أما الأزمة الأخيرة التى صدرتها الجوائح الأربعة فهى أزمة المناخ الذى تضرر منه العالم الآن بصورة غير مسبوقة ،وهو ما يجعلنا نتمسك بنجاح مؤتمر المناخ القادم الذى سيعقد في مدينة شرم الشيخ نوفمبر القادم إن شاء الله .
كاتب المقال رئيس المنتدى الإستراتيجى للتنمية والسلام