عبد الناصر البنا يكتب : أهلا برفات عميد الأدب العربى فى مقابرنا !!

عبد الناصر البنا – الفضائية المصرية
عاد الجدل من جديد يطفو على السطح ، بعد أن ترددت أنباء مؤكدة عن نية مخافظة القاهرة ” هدم ” مقبرة عميد الأدب العربي الدكتور طه حسين ، التى تقع فى طريق محور مرورى جديد يربط بعض مناطق القاهرة يحمل إسم السيد ” ياسر رزق ” ، وقد ترددت تصريحات منسوبه لـ أفراد من أسرة عميد الأدب العربى أن الأسرة تتشاور حاليا بشأن نقل رفاته إلى خارج البلاد . فهل هى وسيلة لـ فضح الدولة المصرية بعد أن قطعت أمامهم كل السبل لـ إيجاد حلا لتلك الأزمة ؟ خاصة فى ظل هذا الصمت المطبق من كل مسئولى الدولة بعد أن خاطبت الأسرة كافة الجهات ، ولم يتم الرد عليها بأى جديد !!
جدير بالذكر أن أزمة هدم مقبرة الدكتور طه حسين تفجرت منذ أن وضعت علامه (X) عليها من قبل بعض الجهات التى تخطط لـ إقامة محور جديد يربط بعض محاور القاهرة ، وقد أثارت الجدل واللغط فى الشارع المصرى والعربى وبقى السؤال : هل تقدم سوف الدولة المصرية فعلا على هدم مقبرة عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين ؟ والحقيقه .. أنه لم ولن يجد أحدا حتى اليوم إجابه شافية وكافية عن هذا السؤال !!
فى الواقع ضجت القاهرة من كثرة كباريها ، والتى دوما أشبهها بعلبة الـكبريت سواءا حفرت لها نفقا أو أقمت عليها كوبرى هى علبة كبريت ، ومن هنا جاءت فكرة الظهير الصحراوى للقرى والمدن الجديدة أو التمدد الأفقى بعيدا عن هذا الوادى الضيق الذى إكتظ لدرجة الإختناق ، حتى أن الخبراء يقولوا : أن المقيم فى القاهرة المدينة التى تجاوت الـ 15 مليون نسمة كمن يدخن ” علبتى ” سجائر فى اليوم ، جراء إسنشاق الهواء الملوث من عوادم أكثر من سبعة ملايين سيارة تجوب شوارعها يوميا !!
أزمة حديثة طفت على السطح مرة أخرى ووضعت الدولة المصرية فى حرج شديد فى ظل صمت تام من المسئولين .. فهل تقدم الدولة فعلا على هدم مقبره عميد الأدب العربى الدكتور طه حسين فى الوقت الذى تتمنى فيه أى دولة عربية مجرد أن تضم أرضها رفاته ؟
أين حرمة الموتى ؟ وأين الـ إحساس بأهمية قامة عظيمة مثل الدكتور طه حسين صاحب مقولة ” التعليم كالماء والهواء ” ؟ وهل سوف نعيش لليوم اليوم الذى يتطلب فيه إقامة كوبرى فوق هضبة الأهرامات وبثور جدل فى المجتمع حول جدوى وجودها من عدمه ؟ وهل عجز التخطيط المعمارى فى دولة بحجم مصر أن يجد مسارا جديدا لهذا المحور المزمع إقامته ، يحفظ ماء الوجه، ويحفظ صورة مصر أمام مثقفيها ، وأمام العالم ، ويكون بديلا عن قرار الهدم ؟ أم أننا مازلنا لانعترف بأهمية دراسات الجدوى لـ أى مشروع تقيمه الدولة ؟
ولماذا نصر على أن نسير للأمام فقط كالخيول التى وضعت blinders أو Blinkers أى ” غمامة ” من الجلد على عينيها لتُغطي ما حولها عدا أمامها لتسير إلى الأمام فقط !!
والشؤال الأهم : أما آن الأوان أن نعمل ( Hold ) للطرق والكبارى التى إلتهمت مواردنا وأدخلتنا فى دوامة من الدين الداخلى والخارجى ، والقروض التى يعلم الله كيف ومتى يتم سداداها . وأن نتجه الدولة إلى الصناعة بوصفها المنقذ على الأقل لما نحن فيه الآن ، وخاصة بعد توقف السياحة أهم مورد للدخل القومى من العملة الصعبة ؟
وحتى لاننسى من هو الدكتور طه حسين أذكر بأن الدكتور طه حسين هو عميد الأدب العربى المولود فى محافظة المنيا بصعيد مصر عام 1889م لـ أسرة مصرية بسيطة مكونة من ثلاثة عشر من الأبناء كان ترتيبه السابع بينهم . فقد بصره في السادسة من عمره بعد إصابته بالرمد ، وحفظ القرآن الكريم درس فى الأزهر الشريف ، وتتلمذ على يد الإمام محمد عبده ، وفي عام 1908 إلتحق بالجامعة ودرس الحضارة المصرية القديمة ، والإسلامية، والجغرافيا ، والتاريخ ، والفلك ، والفلسفة ، والأدب ، وعكف علي إنجاز رسالة الدكتوراه التي نوقشت في ١٥ مايو عام ١٩١٤م ، وحصل على درجة الدكتوراه الأولى في الآداب عن أديبه الأثير ” أبي العلاء المعري” ، ثم سافر إلي باريس ملتحقًا بجامعة “مونبلييه” . ثم عاد من فرنسا عام 1918م بعد أن فرغ من رسالته عن ” ابن خلدون ” . وتدرج فى المناصب الحكومية حتى عين وزيراً للمعارف .
أما عن أعماله الفكرية والأدبية فحدث ولاحرج أنتج طه حسين أعمالا كثيرة منها أعمال فكرية تدعو إلى النهضة والتنوير ، وأعمالا أدبية تنوعت ما بين الروايات والقصص القصيرة والشعر ، أما أهم أعماله فكانت “على هامش السيرة” ، “الأيام”، “حديث الأربعاء”، “مستقبل الثقافة في مصر”، “الوعد الحق”، “في الشعر الجاهلي”، “المعذبون في الأرض”، “صوت أبى العلاء”، “من بعيد”، “دعاء الكروان”، “فلسفة ابن خلدون الاجتماعية”، “الديمقراطية في الإسلام”، “طه حسين والمغرب العربي”، “شجرة السعادة”، “أديب” ، “من حديث الشعر والنثر” .. إلخ
يالها من شخصية عظيمه قل أن يجود الزمان بمثلها ، لقد خدم الدكتور طه حسين مصر ، وعاش فيها وأبدع ولم يبخل بعلمه وأصبح بما خلده من أثر فكرى وثقافى قيمة كبيرة ، كنا ننتظر أن ” تفزع ” الدولة ” و ” تهب ” و ” تجزع ” لـ لخبر هدم مقبرته ، لابد ان نغرس ثقافة إحترام الماضى وأن لاتنسينا المدنية الزائفة تاريخنا وعراقتنا وأصالتنا ، فالدول تبحث لها عن مجد زائف ، وتلهث وراء أى أثر أو قيمة او شخصية تمجد بها تاريخها ، ونحن نهدم رموزا أثرت ليس فى مجتمعها فقط ، ولكن فى محيطها العربى والدولى .. أرجوكم أفيقوا يرحمكم الله . رحم الله الدكتور طه حسين عميد الأدب العربى وإن كانت الدولة عازمة على هدم مقبرته فأهلا وسهلا وتكريما وشرفا بأن تضم مقابر أسرتنا المتواصعه رفاته الطاهر .
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.