الدكتور عادل القليعي يكتب : حقيقة التصوف ومصادره

الدكتور عادل القليعي
سنتناول في هذا المقال الحديث عن إشكالية مصطلح التصوف، أصله، مصادره، حاجتنا إليه، بداياته، هل تصوف النبي صلى الله
عليه وسلم وصحابته .
وإذا كان ذلك كذلك فلماذا لم يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، ما نقبله من التصوف وما نرفضه، هل هناك ما يمكننا أن
نطلق عليه تصوفا سنيا ومن هم أئمته. ثم ما المقصود بالتصوف الفلسفي ومن هم رواده؟ تلك إشكاليات عويصة تحتاج إلي جهد
فكري كبير – قبل أن أتعرض لمناقشة هذه الموضوعات لابد أن أنوه إلي أمر مهم فكثير من أصدقائي المخلصين المستنيرين الذين
يحبون الخير لي وللجميع نصحوني أن أكتب بلغة فلسفية وأنا أحب الناصحين – القضية الأولي :إشكالية المصطلح :في البداية حقيق
علي أن أعترف بأمر مهم هو أنني لست متصوفا أمارس نشاطات الصوفية، أو أتيت بنظرية في التصوف كنظرية المكاشفة التي اتي
بها الغزالي – رحمه الله – وإنما أنا محب للتصوف وأهله ومريديه التصوف الحقيقي القائم علي الكتاب والسنة فليس كل من كتب عن
التصوف لبس لباس الصوفية فها هو ابن خلدون صاحب كتاب (شفاء السائل في تهذيب المسائل) عندما سئل هل تصوفت قال:أحب
الصالحين ولست منهم، ودافع عنهم دفاع الأبطال في مقدمته. الباحث في مجال الفلسفة الإسلامية يعلم أنها تنقسم إلي عدة
مباحث رئيسة. 1-علم الكلام وهو علم الدفاع عن العقيدة الإسلامية ضد ما أثير حولها من شبهات مثل إنكار نبوة محمد والتشكيك
في وحدانية الله وصفاته وعلاقتها بذاته وغيرها. 2-الفلسفة الإسلامية الخالصة. Pure lslamic phlosophy وهي التي تهتم بمباحث
فلاسفة الإسلام، الله، العالم، الإنسان. 3-التصوف وهو الذي يمثل الحياة الروحية في الإسلام 4_ثم أضيف مؤخرا علما جديدا، هو
علم الفقه وأصوله لاعتماده علي القياس الأرسطي القائم علي العقل وكذلك لاعتماده علي الاستنباط استنباط حكم مجهول من
حكم معلوم كقوله تعالي :اعتزلوا النساء في المحيض، فهذا حكم صريح وواضح والله لم يوضح لنا الأضرار المترتبة علي إتيان المرأة
الحائض وترك لنا الاجتهاد إعلاءا لدور العقل ومن ثم ترك المسألة لرجال الطب ليدلو بدلوهم برأي طبي وهذا هو صميم الاجتهاد. نعود
سيرتنا الأولي – لا يد أن نفرق بين نوعين من العلوم. 1-العلوم الكسبية وهي التي تأتينا عن طريق التعلم مثل العلوم الطبيعية،
الرياضية، العلوم الإنسانية – التاريخ، الجغرافيا، علم النفس، الفلسفة – وهذه العلوم تدون وتودع في بطون الكتب. 2-العلوم الوهبية
وهي التي تأتي عن طريق الإلهام والحدس القلبي العلوم اللدنية التي يهبها الله تعالي لمن يشاء من عباده كعلوم الأنبياء والأولياء.
وهي التي تودع في القلوب وتحار في فهمها العقول، ومنها علوم الصوفية التي لا تحدها الحدود وهي خارج نطاق الأين والكيف
والمتي والهوي فهي معرفة سيالة متدفقة تودع في قلوب العارفين الذين تصافت قلوبهم فصفت أرواحهم وتعانقت من فرط الشوق
والعشق للقاء محبوبهم الذي عرفوه ببصائرهم قلب أن تعرفه عقولهم. عرفوا ربهم بربهم ولولا ربهم ما عرفوا ربهم، هذا هو العرفان
المبين. والفوز المنير، ذاقوا فعرفوا.
حقيقة لا ينكرها أي باحث منصف في مجال التصوف. ان لفظ التصوف ليس له اشتقاق لغوي فالباحث المدقق في معاجم اللغة
العربية لا يستطيع أن يقدم تصريفا لغويا لهذه الكلمة – وابحثوا إن شئتم لعلي أكون مخطئا – ولكن المعني والتعريف الاصطلاحي
لهذه الكلمة، فالصوفية أنفسهم قدموا تعريفات عديدة، منها. أهل الصفة من البناية التي بناها الرسول صلى الله عليه وسلم بجوار
مسجده لفقراءالصحابة، أو أنهم يتقدمون الصفوف في الصلاة والجهاد. أو نسبة إلي صوفة بن مرة سادن الكعبة. أو يقال لبس فلان
الصوف أي الخشن من الثياب أي تصوف وهذا في اعتقادي أقرب التعريفات. أما الصوفية، فمنهم من عرفه قائلا. ترك الدنيا بمن فيها
علي ما فيها. ومنهم من قال التصوف هو التجافي عن دار الغرور والانابة إلي دار السعادة والسرور. وأخر يقول التصوف هو حب
الخليل، وبغض القليل وحذف التحويل والعمل بالتنزيل، حب الخليل الصاحب الذي يقودك إلي الخير، وبغض القليل من الأعمال والإكثار
من الأعمال التي تقود إلي معرفة الله، وحذف التحويل أي البعد عن كل يحول الإنسان ويحيده عن طريق الله، والعمل بالتنزيل، أي
بالكتاب والسنة.
أما إذا أردنا أن نجتهد رأينا في محاولة إيجاد تعريف يحد هذه التعريفات جميعا.
نقول: التصوف :صفاء ونقاء وطهر وسكينة واطمئنان وسلام روحي وهدوء نفسي وإخلاص مع الله ومجاهدة. فهؤلاء قوم صفوا
نفوسهم فصفي الله سرائرهم واختصهم بخواص لا تؤتي لأحد غيرهم.
أما إذا أردنا أن نتحدث عن مصادر التصوف، فثم مصدران مهمان، أولهما المصدر غير الإسلامي، وثانيهما المصدر الإسلامي.
أما المصدر غير الإسلامي فينقسم إلي عدة مصادر، أولها المصدر اليوناني والذي تمثل في آراء أفلوطين السكندري، الأفلاطونية
المحدثة والتي كان يغلب علي فكرها الجمع بين عقلانية يونان وروحانية الشرق، خصوصاً من يطلع علي الاثولوجيا ومعاتبة النفس
لا فلوطين يدرك ذلك جيدا، أما المصدر الثاني فقيل أخذ المتصوفة تصوفهم عن المسيحية ولنا رد علي ذلك، فالمسيحية تري في
العيش في الأديرة والرهبنة قربة إلي الله، وأننا في الإسلام نرفض الرهبنة كما جاء في أحاديث صحاح عن النبي صلى الله عليه
وسلم.
أما ثالث المصادر فهو المصدر الهندي وهذا ما ذكره المستشرق دوزي عندما تحدث قائلاً وجوهر التصوف فكرة النرڤانا الهندية بمعني
الرضا،والرضا مقام من مقامات الصوفية.
أما المصدر الرابع فهو المصدر الفارسي وحديث الفرس عن التطهر وتهذيب النفس، هذا بالنسبة عن المصادر غير الإسلامية.
أما المصادر الإسلامية فتتمثل في اعتماد الصوفية في أحوالهم ومقاماتهم علي القرآن الكريم، فنجدهم وهم يتحدثون عن المجاهدة
مجاهدة النفس، (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سيلنا)، وكذلك عندما يتحدثون عن مقام الرضا (رضي الله عنهم ورضوا عنه)، وأيضا
وهم يتحدثون عن رياضة الذكر، الرياضة اللسانية والرياضة القلبية (والذاكرين الله كثيرا والذاكرات)
وكذلك نجد الصوفية في مدلولاتهم وتعابيرهم يلجأون إلي الرمزية، واستخدام ألفاظ قرآنية، ككأس، والخمر، والمشكاة، وغيرها، من
الرموز التي تدل علي حال الصوفي مع الله تعالي ومقامه رفيع الجاه.
أما هل تصوف النبي صلى الله عليه وسلم، فلم يرد هذا اللفظ علي لسان النبي صلي الله عليه وسلم، وانما حياة النبي مثالا رائعا
يحتذي به في التقوي والزهد والورع، ولنا أن نقتدي به لنهتدي (لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)
وهل لنا حاجة بالتصوف الآن، أقولها صراحة كل إنسان متصوف بطبعه، بمعني كل إنسان بداخلها قبس نوراني، موجود بداخله بالقوة،
يحتاج إلي يد طيبة تخرجه إلي النور من حيز الوجود بالقوة إلي حيز الوجود بالفعل، ليس شرطا أن تقدم نظرية في التصوف، وانما
نريد من الجميع ممارسة حياة الصوفية الخلص الذي اخلصوا أعمالهم لله ففاضت علي قلوبهم النفحات الربانية، فصاروا ربانيين، ولنا
فيهم الاسوة والقدوة الحسنة دون إفراط أو تفريط.
وكذلك إذا أردنا أن نتحدث عن بدايات التصوف فكانت بداياته زهدا، خصوصا في القرنين الأول والثاني الهجريين وظهور مدارس الزهد
نتيجة للأوضاع السياسية والاجتماعية التي شهدتها الأمة الإسلامية في تلك الفترة،وظهور أهم مدرستين مدرسة المدينة المنورة
ومدرسة البصرة، وروادها الأكارم الحسن البصري وستنا رابعة العدوية، ثم بعد ذلك الارهاصات الأولي للنظرية الصوفية في ق3,4، ثم
إكتمال البنيان في القرون 5,6هجرية، وظهور التصوف السني والفلسفي.
وللحديث بقية.
كاتب المقال أستاذ الفلسفة الإسلامية بآداب حلوان.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.