محمد يوسف العزيزي يكتب : دبلوماسية الرئاسة .. وقمة العلمين الخماسية
يعتبر ملف السياسة الخارجية المصرية من أنجح الملفات التي أنجزتها الدولة منذ عام 2013 وحققت فيه تقدما سريعا وملحوظا يزداد تأثيره يوما بعد يوم ، وتستعيد معه مصر دورها المحوري في المنطقة والإقليم والعالم
إرث مصر الجغرافي والتاريخي والحضاري والجيو سياسي جعلها محور ارتكاز ورمانة ميزان المنطقة ، وجعل القاهرة ممر حيوي لابد وأن تمر من خلاله رؤى وحلول ومناقشات كل قضايا المنطقة والإقليم
الذي يتذكر كيف كان ملف العلاقات الخارجية المصرية قبل 2013 مع دول العالم شرقا وغربا وشمالا وجنوبا ، وكيف أصبح الآن يدرك جيدا حجم الجهد الذي بذله رجال الخارجية المصرية ، وحجم الجهد الذي بذلته الدبلوماسية الرئاسية في إعادة العلاقات مع كل دول المنطقة والإقليم ، ودول العالم الخارجي الذي اتخذ عدد كبير منهم مواقف عدائية ضد مصر عقب ثورة 30 يونيو العظيمة
القيادة السياسية رسمت للخارجية المصرية طريقا واضحا لا لبس فيه .. يقوم علي أسس علاقات ثابتة لا تتغير أهمها الدعوة المستمرة للسلام وحل المشكلات بالطرق السياسية بعيدا عن قرارات الحرب ، وإقامة علاقات ثنائية مع كل الدول تعتمد علي الشفافية وتحقيق المصالح المشتركة ، والتزام مبدأ عدم التدخل في شئون الغير
استطاعت القيادة السياسية من خلال الدبلوماسية الرئاسية التي لا تتعارض مع الخط العام للسياسة الخارجية أن تحدث نقلات نوعية في علاقات مصر مع كثير من الدول علي المستوي العربي والإقليمي والدولي ، والنماذج كثيرة وآثارها واضحة ،
ويمكن ملاحظة ذلك في مدي حميمية الإستقبال للشيخ محمد بن زايد رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة ولجلالة الملك عبد الله بن الحسين عاهل المملكة الأردنية الهاشمية ولجلالة الملك حمد بن عيسى ملك البحرين وكذلك مع رئيس وزراء العراق مصطفي الكاظمي الذي يتلقى دعما كبيرا من الرئيس السيسي ومشورة صادقة ليخرج العراق من أزمته ويسترد دولته الوطنية
الحقيقة أن دعوة لقاء الأخوة في مدينة العلمين الجديدة بين القادة والزعماء الخمس هي ترجمة للدور النشط للدبلوماسية الرئاسية المصرية التي رسمت خطا جديدا وشكلت صورة مغايرة لشكل العمل العربي المشترك الذي وضع ملامحه الرئيس عبد الفتاح السيسي في قمة جدة الأخيرة التي شارك فيها جو بايدن رئيس الولايات المتحدة الأمريكية
عندما قال في كلمته التي اشتملت علي خمس محاور أساسية حيث أكد – في المحور الثالث الذي يتعلق بالأمن القومي العربي – علي ” أن ما يتوافر لدى الدول العربية من قدرات ذاتية بالتعاون مع شركائها كفيل بتوفير الإطار المناسب للتصدي لأي مخاطر تحيق بعالمنا العربي ، وأضاف أن مبادئ احترام سيادة الدول ، وعدم التدخل في شئونها الداخلية ، والإخاء، والمساواة، هي التي تحكم العلاقات العربية البينية “
هذه الرسالة الواضحة التي انطلقت من مؤتمر جدة يدركها الغرب جيدا ويعرفون مدي تأثيرها علي قادم العلاقات العربية – العربية ، والعلاقات العربية – الغربية والأمريكية ،
وهي ترد بشكل مباشر علي ادعاء أمريكا الوهمي بقدرتها علي حماية المنطقة من خطر إيران وخطر الإرهاب بينما هي من تدعمه وتعززه !
اللقاء – رغم وصفه بالأخوي – يؤشر بوضوح إلي تجمع عربي يشكل محورا هاما في مواجهة تحديات المنطقة العربية والإقليم بكامله ، وبالقطع لا تغيب عنه السعودية والكويت فالتنسيق قائم ودائم لا ينقطع
كنت كتبت في مقال سابق في شهر يونيو تحت عنوان نوبة صحيان يا عرب .. قبل فوات الأوان ! ” في هذا العالم الجديد ما بعد الجائحة والحرب الروسية الأوكرانية .. البقاء للأقوي اقتصاديا وعسكريا لأن الاقتصاد يحتاج إلي قوة تحميه وتردع من يفكر في السطو عليه ، والبقاء للتحالفات القوية وتكامل الموارد والمصالح خصوصا بين الدول ذات المشتركات المتعددة والمصالح المتقاربة .. “
ويبدو أنه من حسن الطالع أن تكون تلك بداية وخطوة تعقبها خطوات كبيرة علي طريق التكامل العربي وسد الفجوات واستثمار الموارد المتنوعة التي تجنب شعوب المنطقة عواصف تلك الفترة وأعاصير الفترات القادمة
تظل مصر دائما قلب العروبة وتظل مدنها – القاهرة والعلمين والعاصمة الجديدة وشرم الشيخ مدينة السلام – حضنا للعرب ومنصة قادرة علي إطلاق كل رسائل السلام والتحذير والردع ، وتظل الدبلوماسية الرئاسية مصدرا للم الشمل العربي وتنسيق المواقف في مواجهة تحديات الحاضر والمستقبل .