تناولنا في المقال السابق مدى سعي القياده السياسية إلى الوقوف أمام الممارسات الدولية السياسية، عبر السعي نحو تدشين وبناء إستراتيجية زراعية تضمن لها تحقيق الأمن الغذائي. ورغمه ما يحيط بالعالم من زيادة في حاله عدم اليقين بعد مرور نصف عام على الأزمة الروسية الأوكرانية وقبلها جائحة كورونا الأمر الذي جعلنا نشعر أن هناك تباعد في مسارات التعافى الإقتصادي بين الدول والقطاعات المختلفة . مما عكس التفاوت في الإضطرابات الناجمة عن هذه الأزمات ،ومدى الدعم المقدم من السياسات لمواجهتها. وبصورة كاشفة لما آل إليه الوضع الإقتصادي العالمى فقد بلغ عدم اليقين مستويات غير مسبوقه مع بدايه الأزمه الروسية ولا يزال على إرتفاعه العالمي بعد الزيارة غير المبرره لرئيسه مجلس النواب الامريكي نانسى بيلوسي إلى تايوان وتوتر العلاقات الإقتصادية والسياسية والعسكرية بين الصين والولايات المتحده الامريكية فقد بلغ مستوى عدم اليقين أثناء جائحة كورونا 60% ( يغطي 143 دولة) قبلها كان ٥٠٪ عن الفترة من ١٩٩٦ حتى عام ٢٠١١، وقبلها كان ١٠٪ فقط أثناء أزمة المخاطر السياسية في اليونان وأوكرانيا ،
أما الآن وبعد الأزمة الروسية الأوكرانية فقد وصل لمستوى ٦٥٪
،وبعد زيارة بيلوسي لتايوان فقد وصل مؤشر عدم اليقين إلى مستوى محفوف بالمخاطر مما يؤكد أن العالم يمر الآن
بمرحلة عدم إستقرار حقيقية خلفت معها تآكل من ١٢ – ٢٠ تريليون دولار على خلفية جائحة كورونا وحوالى ٥٠٠
مليار دولار خسائر للإقتصاد العالمي على خلفية جائحة روسيا وأوكرانيا. واذا كانت هناك بعض الدول خاصة العربيه
قد إستفادت من جراء الأزمة الروسية بفضل زيادة أسعار الغاز والنفط وتحقيق فوائض في موازناتها بعد سنين عجاف
نتيجه إرتفاع أسعار الغاز 70% ووصول سعر برميل البترول ل 140 دولار لكن على الجانب الآخر هناك بعض الدول
وخاصه العربية منها كانت خاسر صاف بفضل زيادة أسعار القمح عالمياً مسببا ذلك فى زيادة نسبة العجز في
موازناتها وبالتالي إرتفاع مستويات الدين. بالنسبة لمصر يحتاج الأمر إلى عرض تجربتها التى إنطلقت فى ظل حالة
عدم يقين ثابتة ومقبولة عالمياً ، ومرتكزة على دعم الإصلاحات الإقتصادية الداعمه للنمو المستدام عبر تحديث
المشروعات الصغيرة والمتوسطة، وتمويل مناخ الإستثمار ، والإرتقاء بالإدارة الضريبية،و دعم ريادة الأعمال.والتحوط
نحو مواجهة أربع أزمات تمثل أى منها محور ودائرة صراع عالمى مستقبلى ،وهى أزمة التضخم ،أزمة الطاقة ،وأزمةالمناخ ،
وأخيراً أزمة الغذاء.فكان التعامل مع أزمة التضخم عبر التنسيق الكامل بين السياستين المالية
والنقدية لتحقيق إستقرار الإقتصاد الكلى ومواجهه عجز الموازنة وميزان المدفوعات ولكن مع إنحراف للإستثمارات
غير المباشرة (الأموال الساخنة) التى تسببت فى إعطاء مؤشرات وهمية وعدم إستقرار لللسوق، وبالتالى كانت
التوصية عدم الإعتماد عليها فى بناء القدرات الإقتصادية أو لزيادة معدل النمو الإقتصادي ،وهو ما يؤكد الوعى
السياسى بالتوجه نحو إعادة إحياء الصناعات التنافسية القادرة على زيادة فرص العمل مثل صناعة الغزل والنسيج
حيث تم تدشين واحد من أكبر مصانع الغزل والنسيج على مستوى العالم فى المحلة الكبرى للوفاء بإحتياحات
السوق المحلي وزيادة القدرة التصديرية في ظل ما يتمتع به القطن المصري من ميزه نسبية قادرة على النفاد إلى
الأسواق العالمية ،وفيما يتعلق بالأزمة العالمية فى الطاقة فقد كانت الإكتشافات التي نجحت مصر بالتعاون مع
كبريات الشركات العالمية بداية أمل حقيقي في وضع مصر كلاعب مستقبلي لتحقيق أمن اوروبا من الطاقة،
بالإضافة إلى السعي نحو تنويع مصادر الطاقة والتوجة نحو الطاقه المتجددة بإنشاء أكبر مصنع للطاقه الشمسية
في بنبان بكوم أمبو ،ويبقى إستغلال الفرص متاحاً لنا عبر تسويق مصرى بالقدرة على إقامة مصنع للرقائق
الإلكترونية على أرض مصر وفى المنطقة الإقتصادية لقناة السويس بعد وقف الصين إمداد تايوان بالرملة البيضاء
اللازمة لهذه الصناعة ( ٤٠٠ مليار طن رمال بيضاء فى سيناء فقط) ،وبالنسبة للأزمة الثالثة أزمة المناخ فتحتضن
مصر على أرضها نوفمبر القادم مؤتمر المناخ الدولى للتشاور فى أنسب الطرق لحماية كوكب الأرض من التلوث
البيئي غير المسبوق ،اما الأزمة الرابعة والأخيرة وهى أزمة الغذاء فقد حددت مصر قبل تنامي وتسارع الأزمات
العالمية التى صاحبها زيادة حالة عدم اليقين ستة محاور لتحقيق إستراتيجية الأمن الغذائي المصري تقوم على :
أولا: التوسع الأفقي في مساحة الأراضي الزراعية بالوصول إلى ١٧ مليون فدان خلال الفتره القادمة عبر مجموعه
من المشروعات العملاقة بدأها الرئيس بمشروع إستصلاح ١,٥ مليون فدان من أصل ٤ مليون فدان في بداية عام ٢٠١٥ ثانياً: التوسع الرأسي عبر التوجه نحو زراعة أصناف عالية الجودة والإنتاجية ثالثاً: البحث عن شركاء دوليين
نستطيع من خلال التعاون معهم توطين ممارسات زراعية حديثة بإستخدام تقنيات الذكاء الإصطناعي رابعاً: التوسع
في الزراعات الإستراتيجية خاصة محصول القمح لضمان تحقيق الإكتفاء الذاتي منه خامساً: زيادة تنافسية الصادرات
الزراعية وهو أمر مرتبط بفك الحظر عن الأبحاث العلمية المدرجة في كليات الزراعة ومعاهد البحوث الزراعية، وحشد
كل الطاقات الممكنة لمساعدة هؤلاء الباحثين في تطبيق نتائج وتوصيات أبحاثهم العلمية سادساً: زيادة الإستثمار
في القطاع الزراعي عبر تحفيز القطاع الخاص على زيادة نسبة الإستثمار في هذا القطاع فى ضوء توجه الحكومة
المصرية نحو رفع نسبة وحصة القطاع الخاص فى النشاط الإقتصادي خلال السنوات الثلاث القادمة إلى ٦٥٪ .وزيادة
٣٠٪ فى الاستثمارات العامة لتعزيز قدرة الاقتصاد الوطني على تحمل تداعيات المدافع الإقتصادية بعيدة المدى .