جيهان عبد الرحمن تكتب : للإنسانية رب يحميها

 جيهان عبد الرحمن
حين ذهب عبد المطلب كبير مكة لإبرهة قال له حاجتي أن ترد علي مائتي بعير أصابها جنودك فقال له أبرهة أعجبتني حين رأيتك, ولقد زهدت فيك حين تحدثت, لقد جئت إلي بيت هو دينك ودين أبائك وعصمتكم لأهدمه فلم تكلمني فيه, وتكلمني في مائتي بعير أصبتها, فقال عبد المطلب مقولته الشهيرة أنا رب الأبل ولهذا البيت رب سيمنعه . قال أبرهة ما كان ليمنعه مني. وأمر برد الابل عليه. أما عبد المطلب فأمر قريش بالخروج من مكة إلي الجبال والشعاب للإحتماء بها لكنه قام عند الكعبة ممسكا بحلقة الباب ومعه نفر من قريش يدعون الله ويستنصرونه, حتي أرسل الله علي أبرهة وجندة من البحر طيرا ابابيل ترميهم بحجارة من سجيل.
هذا كان قبل بعثة رسولنا الكريم بنحو أربعين عاما, وكانت الكعبة هي رمزا للدين, عصمها الله وحفظها, لكن الان وليس بيننا عبد المطلب ليدعو لنا الله أن يحفظ لنا رمز أنسانيتنا ولا أقول ديننا,فماذا نحن فاعلين؟ أتحدث هنا عن الاخلاق التي لا يختلف عليها أي دين والتي باتت علي المحك من هول ما يحدث ونسمع ونشاهد يوميا وبلا إنقطاع, قبل أسبوعين اعتصر الحزن قلبي وأنا أتابع مشهد خروج حارس مرمي الاتحاد السكندري منسحبا مهزوما باكيا منهارا, في واقعة انتحرت فيها الإنسانية وهجرت قلوب البشر, حين هاجمت جماهير الإتحاد حارس المرمي بعد أن اخترقت شباكة خمسة أهداف فأنهالوا عليه بشتائم بذيئة تعد سبا وقذفا, رغم علمهم بوفاة شقيقة الأكبر
ووقوف لاعبي الفريقين دقيقة حداد قبل بدء المباراة, وأنه نزل الملعب بديلا لزميله الذي اصابة نزلة برد, ومع ذلك
أمعنوا في الإهانة والسباب حتي فقد الشاب أعصابه, وخرج مهزوما لا من خمسة أهداف ولكن من كائنات تصنف
علي سبيل الخطأ بأنها بشر ليقسم بعدم لعب كورة القدم مرة أخري, هل أجتمع العقل الجمعي في لحظة مجنونة
علي التجرد من الرحمة والعقل والانسانية أم انه كان مهيئا سلفا لهذا السلوك القبيح البعيد عن الاخلاق والدين
والفطرة السليمة.
هذا الحادث علي بشاعته يجب أن يضاف إلي جملة التغيرات التي طرأت علي سلوك المصريين, فلا يمضي يوما وإلا هنا أوهناك حادث مؤلم يدق ناقوس الخطر وينبأ بتغيير كبير لخطر أكبر, شاب موتور يذبح فتاة في واقعة مسجلة بالصوت والصورة وباعتراف الشاب لنجد من يبحث للقاتل عن مخرج ويتعاطف معه وينهال علي الضحية سبا وطعنا وهي بين يدي الله, يصدر الحكم بالاعدام ينقسم الناس بين مطالبين بتنفيذ الحكم علانية علي الهواء وأخرين
رافضين الاقتراح وكأننا لسنا في دولة قانون يحكمها قواعد عامة مجردة تتطبق علي الكافة بلا تمييز.
كل يوم حوادث إنتحار وجرائم قتل عائلية أبطالها أبناء وأباء أو أزواج وزوجات تبدلت المودة والرحمة بالقسوة والعتف
والرعونة والبعد عن الدين والاخلاق والفطرة السليمة, أسمع من يقول أنها موجودة منذ بدء الخليقة حين قتل قابيل
أخيه وان التاريخ شهد ماهو أقسي وأفظع مما نشهدة الان وأن شعورونا بفداحة الجرائم نتيجة لتطور وسائل
التواصل الاجتماعي, وسرعة نقل الخبر وانتشاره, أقول لهؤلاء المفروض أننا نتقدم ونرتقي بمشاعرنا وأنسانيتنا لا
نتأخر ولا يكون الماضي المؤلم بمساوئه هو قدوتنا, نحن أكثر حظا ممن سبقونا في وسائل المعرفة فلا عذر لنا.
سيقول البعض الاخر تكالبت علينا الضغوط الاقتصادية ولهؤلاء أقول فماذا نحن فاعلين فيما هو قادم وجميع المؤشرات
والتصريحات الرسمية وغير الرسمية تؤكد أن القادم أصعب وأشد قسوة, علينا أن نواجهه أنفسنا وندرس كافة
التحولات التي طرأت علي مجتمعنا ونطالب بتحرك سريع ومحسوب لرجال الاجتماع والدين والتربية والصحة
النفسية, وكل المتخصصين طلبا للعلاج فهناك ضعف واضح في الوازع الديني واستخفاف بحقوق الناس بل وحدود
الله وخاصة في قضايا الميراث, هناك استخفاف بالقوانين والعقوبات, واستسهال الغش والوساطة والمحسوبية,هناك
جهل وأمية بنسب مرعبة تهدد أمن وسلامة أعتي المجتمعات تماسكا, هناك فوضي عارمة في الفتاوي وهدم
ثوابت دينية ومجتمعية, القائمة طويلة ولا أجد استعداد واضح لمواجهتها, فهل نقول كما قال كبير مكة للإنسانية رب
يحميها.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.