اللواء سمير فرج يكتب : لمحة مضيئة من الكلية الحربية المصرية

بشرتنا القوات المسلحة المصرية، من خلال صفحة المتحدث العسكري، بإعلان حصول الكلية الحربية المصرية، مصنع الرجال، على شهادة الأيزو العالمية، وهي شهادة الجودة في الأداء. ومع الأسف لم ينتبه، أو يعي، الكثير من أبناء شعب مصر، معنى ذلك التقدير العلمي المتميز، فرأيت أنه لزاماً علينا توضيح قيمة ذلك النجاح، الذي حققته الكلية الحربية، باعتبار أن الفخر والاعتزاز به ليس قاصراً على المؤسسة العسكرية المصرية، فحسب، وإنما يمتد لجموع شعب مصر العظيم.
فالكلية الحربية المصرية، هي أكبر المؤسسات التعليمية، العسكرية، في الشرق الأوسط، والتي تمتد جذورها لأكثر من قرن ونصف، إذ أقيمت أول مدرسة عسكرية، لتخريج الضباط في مصر، في عهد محمد على باشا، “مؤسس مصر الحديثة”، عام 1811، بالقاهرة، وعُرفت باسم المدرسة الخاصة، ثم انتقلت لأسوان على يد سليمان باشا الفرنساوي، ومنها إلى إسنا، قبل أن تعود، مرة أخرى للقاهرة، وتستقر في منطقة كوبري القبة، وتسمى بالمدرسة الثانوية الحربية. ثم حملت اسم “الكلية الحربية الملكية” خلال الفترة من عام 1938 إلى عام 1954، لتنتقل إلى مقرها الحالي في حي مصر الجديدة، بعد ثورة يوليو 1952، وتسمى “الكلية الحربية”.
ولعل من أعلام الكلية الحربية، السادة رؤساء مصر محمد نجيب، وجمال عبد الناصر، وأنور السادات، ومحمد حسني مبارك، ومحمد حسين طنطاوي، وعبد الفتاح السيسي، فضلاً عن الضباط الأحرار، في ثورة يوليو 52، عبد اللطيف بغدادي، وعبد الحكيم عامر، وزكريا محيي الدين، وكمال الدين حسين، وحسين الشافعي، وبالطبع كافة وزراء الحربية والدفاع للقوات المسلحة المصرية، كما تخرج فيها عدد من القادة العرب، ووزراء الدفاع في العالم العربي وأفريقيا.
وتشير شهادة الأيزو (ISO) إلى جهة إصدارها، وهي “المنظمة الدولية لتوحيد القياس”، أو “International Organization for Standardization”، وهي منظمة دولية مستقلة، غير حكومية، مهمتها وضع وتطوير معايير ضمان جودة المنتجات، والخدمات، والأنظمة، وسلامتها، وكفاءتها، وإصدار شهادة باعتمادها، في الجهات التي يجري عليها اختبارات التقييم. وعليه فإن حصول جهة ما على شهادة الأيزو، إنما هو اعتماد دولي لنظم الإدارة بها، وفقاً لمعايير القياس الموحد، وإقرار بضمان جودة منتجها النهائي. وتعتبر شهادة الأيزو 9001، أكثر شهادات الأيزو شيوعاً، لأنها توضح التفاصيل القياسية للجهة محل الاختبار.
وبتطبيق القياسات العالمية المتبعة لتأهيل المؤسسات التعليمية، في تقديم خدماتها المختلفة، حصلت الكلية الحربية المصرية على شهادة الأيزو ISO 9001-2015، عن منظومتها الإدارية والتعليمية، والتي تعتمد جودة إنتاجها المتميز، وهو في هذه الحالة “خريج الكلية الحربية”. وقد كان سعي الكلية الحربية المصرية للحصول على تلك الشهادة، بدافع تطوير المناهج التعليمية والتدريبية بها، بما يتماشى مع أعلى المعايير العالمية، وكذلك الارتقاء بالمستوى العلمي لأعضاء هيئة التدريس، وكافة العاملين بالكلية من الضباط والطلبة والعاملين المدنيين، فاستحقت عن نجاحها الحصول على هذه الشهادة، وبالتالي التقدير العلمي الذي يليق بها كأكبر مؤسسة تعليمية عسكرية في الشرق الأوسط.
ولما كنت، مؤخراً، في زيارة للكلية الحربية، لمحاضرة طلابها عن الأمن القومي المصري وارتباطه بالأمن القومي
للشرق الأوسط، لمست حجم التطوير الذي تشهده الكلية الحربية، سواء في المناهج الدراسية، التي أصبحت
اللغة الإنجليزية وتطبيقات الحاسبات الآلية تحتل مساحة كبيرة منها، وأصبحت الدراسة العملية على الأرض تمثل 70% من تلك المناهج، بعدما كانت نسبتها لا تتجاوز، في الماضي، 30%. كما عرفت عن توأمة مناهجها مع مناهج
الكليات العسكرية في الدول الأجنبية، مثل سانت هيرست بإنجلترا، ووست بوينت بالولايات المتحدة الأمريكية،
والكلية الحربية الإيطالية، والتي تشمل إجراء تدريبات تعايش مشترك مع طلبة الكلية الحربية الفرنسية، وتدريبات
مشتركة مع طلبة الكليات العسكرية في كل من السعودية والكويت وعمان والأردن.
كما تم تطوير جميع ميادين اللياقة البدنية للطلبة، لأعلى المستويات العلمية والرياضية، والتي شرُفت بزيارة السيد
رئيس الجمهورية لها، للاطمئنان على مستويات تدريب الطلبة الجدد. وكذلك نجحت الكلية الحربية المصرية في
تحديد الساعات العلمية، واعتمادها من المجلس الأعلى للجامعات المصرية، خاصة في مواد الرياضيات والكيمياء
والطبيعة. يضاف لتلك النجاحات تميز أداء الشئون الإدارية بالكلية، من حيث اتباع مناهج علمية حديثة، لإقامة طلاب
الكلية الحربية، ونظم الإعاشة والتغذية، طبقاً للسنوات العمرية، وحجم المجهود المطلوب من الطالب.
وتدرس الكليات الحربية المصرية تسع تخصصات هي المشاة، والمدرعات، والمدفعية، والإمداد والتموين، والإشارة،
والأسلحة والذخيرة، والحرب الإلكترونية، والاستطلاع، وحرس الحدود، تتحد جميعاً في قسم الولاء، الذي يقسم
عليه كل ضابط مصري، يوم تخرجه، على الطاعة والولاء، وأن يكون جندياً وفياً لجمهورية مصر العربية، محافظاً على
أمنها وسلامتها، حامياً ومدافعاً عنها، في البر والبحر والجو، داخل وخارج الجمهورية، مطيعاً للأوامر العسكرية، مدافعاً
عن الأرض حتى الموت. والحقيقة أن ذلك القسم نابع من عقيدة سليمة، وليس كلمات رنانة، وهو ما ثبت في
مواقف عدة، آخرها محاولة جماعة الإخوان تأسيس الحرس الثوري المصري، الذي يقسم أعضاءه بالولاء للمرشد
وليس للوطن، وهو ما لم، ولن، ينجح في بلد يعتنق جنودها وضباطها عقيدة الدفاع عن الأرض والولاء لها، دون
الأشخاص.
ومن هنا، فالشكر والتقدير موصول للواء أشرف زاهر، وأعضاء أسرة الكلية الحربية، على جهودهم للحصول على ذلك
التقدير العالمي، من منظمة الأيزو، الذي سيسهم، ولا شك، عند تقييم قوة مصر العسكرية، وترتيب مركزها ضمن
أقوى جيوش العالم، في تقرير مؤسسة جلوبال فاير باور، في الأعوام التالية. وهكذا يزداد اطمئناننا في بلد آمن
تحميه قواتنا المسلحة المصرية.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.