كنت أود الكتابة عن شعار الروح الرياضية .. ذلك الشعار الذي نطلقه عند كل اختلاف أو تعارض في وجهات النظر أو عند الخسارة في أي منافسة .. لكني أدركت أن الحديث عن هذا الشعار ومعناه وقيمته الأخلاقية أصبح كما لو أنني أتحدث عن ضرورة لبس الطربوش الأحمر أبو زر أسود هذه الأيام !
الروح الرياضية ذهبت مع رياح التعصب ، وتاهت في زحمة الاستقطاب الحاد مثلها مثل الكثير من المفاهيم التي كانت تكرس للقيم الأخلاقية والإنسانية ، وتحض علي قبول الرأي الآخر مهما كان مخالفا
في هذا المقال لن أتحدث عن الروح الرياضية لأنه يبدو أنه لا أمل في عودتها ، ولن أتحدث عن المتعة التي يراها مشجعوا الأهلي والزمالك في لعبة كرة القدم .. ففي النهاية هي مجرد لعبة ليس أكثر مثلها مثل الكثير من الألعاب الرياضية البدنية بصرف النظر عن الفرق بينها وبين اللعبات الأخري الجماعية والفردية التي ترفع علم مصر في مسابقات دولية كثيرة !
المتحدة للخدمات الإعلامية أصدرت مؤخرا قرارا بعودة إدارة قناتي الأهلي والزمالك الرياضيتين إلي الناديين بعد الكثير من الجدل وتبادل الاتهامات بالتحيز لاحدي القناتين أحيانا سواء في التناول وطبيعة الضيوف ، وأنا هنا لا أتحيز إلي جانب دون الآخر فكلاهما مسئولان عن هذا المستوي المتراجع للقيم الرياضية وتدني لغة الحوار الرياضي ، وإثارة جماهير الناديين بلغة تحريضية دون النظر إلي الوطن والظروف التي يمر بها !
هذا القرار الذي يضع إدارة الناديين الكبيرين أمام مسئوليتهما الوطنية ..وأكرر مسئوليتهما الوطنية، فإذا كانت إدارة كلا الناديين لا تدرك حجم هذه المسئولية ، ولا خطورة ما آلت إليه الأمور في مجتمعنا اليوم نتيجة حالة الاستقطاب والتنمر ونشر الشائعات والأكاذيب والتجاوز تحت مسمى “التحفيل”، فالمصيبة أكبر ، والخطر أكثر قربا.
الأهلي والزمالك أو الزمالك والأهلي لهما جماهير بالملايين في طول البلاد وعرضها بخلاف جماهير الناديين في المنطقة العربية ، وللأسف الشديد– في تقديري – فقدت إدارة الناديين وجماهيرهما الروح الرياضية ، وبات الاستقطاب الحاد خطرا محدقا بالمجتمع .. كالنار تحت الرماد كلما توهجت سعينا لإخمادها ظاهريا ، والحقيقة أن جذوة النار مشتعلة وقابلة للتوهج بفعل رياح التعصب لتأكل المجتمع وتدفعه إلي مستنقع به مياه آسنة يتطاير منها رزاز يصيب الحياة الخاصة ويكرس للعداوة والبغضاء !
إن قضية الروح الوطنية يجب أن تكون لها الأولوية، ولا يجب أن يتغافل عنها كل المسئولين عن إدارة اللعبة بشكل عام ، فالتعصب والاستقطاب الذي يحدث بين الأهلي والزمالك – إدارة وجماهير- يعرضان الوطن لخطر يساوي بل يزيد عن خطر الفتنة الطائفية التي تهدد المجتمع بالانقسام والتشرذم !
ولنتساءل جميعا ماذا سيحدث في الحياة عندما يحصل الزمالك علي بطولتي الدوري والكأس؟ ..وماذا سيحدث للحياة عندما يخسر الأهلي بطولتي الدوري والكأس ؟ والعكس ماذا سيحدث في الحياة عندما يكسب الأهلي تلك البطولتين ، وماذا سيحدث للحياة عندما يخسرهما الزمالك ؟
الإجابة بمنتهي الصدق والموضوعية .. لن يحدث في الحياة شيء فالأصل في ممارسة أي رياضة هي المنافسة الشريفة بين أطرافها وتحقيق المتعة للمشاهدين والمشجعين فأين هي المتعة إذن فيما نعيشه اليوم من حالة استقطاب شديدة الخطورة تستهدف تقسيم المجتمع وزرع الفتنة وخلق حالة من الكراهية بين الملايين.
المستفيدون فقط هم لاعبي الفريقين الذين يحصلون علي الملايين فتتغير حياتهم للأفضل ، وهؤلاء الذين يصبون الزيت علي النار قبل كل مواجهة بين الفريقين وبعد كل نتيجة لهما !
القضية أخطر من مجرد تشجيع لعبة يحبها المصريين ويلتفون حولها ، وأعمق من كونها بيزنس واقتصاد كما يروج لذلك البعض من المستفيدين .. القضية بشكلها الحالي ظاهرها وباطنها خطر يهدد أمن وسلامة المجتمع فيما فشلت فيه دول وأجهزة كبري !
ملف الرياضة وحالة الاستقطاب والسيولة في الحوار الجاري علي قنوات الإعلام الرياضي بشكل عام تغيب عنه الروح الوطنية بقصد أو بجهل .. كل هذا يحتاج وقفة سريعة وعلاج حقيقي بقرارات حاسمة ورادعة لتتوقف هذه العشوائية لينجو المجتمع من كارثة باتت علي الأبواب سيكون الخاسر الأول والأخير فيها هو الوطن.
صرخة عالية لكل المسئولين عن هذا الملف في وزارة الشباب والرياضة وفي المجلس الأغلى لتنظيم الإعلام ، وفي الهيئة الوطنية للإعلام ، وفي لجنتي الرياضة و(الثقافة والإعلام ) في البرلمان بغرفتيه النواب والشيوخ ، وإلي كل من يدرك خطورة هذا الاستقطاب وهذه الفوضي .. انتبهوا .. انتبهوا قبل فوات الأوان ، وأن تأتوا متأخرين خير من ألا تأتوا علي الإطلاق .