عبد الناصر البنا يكتب : عقول .. شارده !!

عبد الناصر البنا – الفضائية المصرية
العنوان مستوحى من قطيع ” العجول ” الهاربة من سكين الجزار خلال فترة عيد الأضحى المبارك والتى أتحفتنا بها وسائل التواصل الإجتماعى وكأنها أصبحت طقس سنوى يمارسه المصريون كل عام بالقدر  الذى أخرج هذه الشعيرة العظيمة عن خصوصيتها ، كونها قربة إلى الله تعالى ، ولما لها من مكانة خاصة لدى المسلمين تأسيا بسنة رسولنا الكريم ﷺ .
الحقيقة أنى طوال الأيام الماضية وعلى طول كورنيش النيل العظيم بالجيزة ، أشهد فى الجهة المقابلة لمبنى سفارة دولة الكويت بالقاهرة حشودا وجحافل بشرية من خيرة شباب مصر أتوا من مختلف المحافظات المصرية ولا أجد تفسيرا لهذا الزحام الشديد أو الطريقة التى تعامل بها سفارات الدول العربية المصريين الراغبين فى السفر إليها ، ولكن على ما يبدو أنهم وقفوا لساعات طوال للحصول على تأشيرات دخول لدولة الكويت !!
مشهد الزحام الشديد لشباب مصر المتكرر أمام سفارات الدول العربية بالقاهرة شغلني كثيرا خاصة وأنى صاحب تجربة سابقة فى الغربة فى بداية حياتى العملية ، ولم يكن هذا المشهد فقط الذى يشغلنى ولكن هناك مشاهد أخرى كثيره سوف أعرج عليها لاحفا ، لكن فى هذا المشهد تحديدا يلح دوما على سؤال : هل الزيادة السكانية تشكل عبء حقيقى على الدولة المصرية ؟
أعتقد من وجهة نظرى المتواضعة أن زيادة السكان وخاصة فى دولة مثل مصر هى ” نعمة ” وليست ” نقمة ” لسبب بسيط أن كل الدراسات أكدت أن النسبة العظمى من تركيبة السكان فى مصر حاليا هى من ” الشباب ” أى من الفئة العمرية القادرة على العمل ، أى من القوى المنتجة ، ولعلنا نتذكر أن هناك من دول العالم مثل ” ألمانيا ” إشترطت أن يكون اللاجىء إليها من فئة الشباب القادر على العمل ، لأن المجتمع هناك هرم . وهناك دول أخرى مثل ” الصين ” على سبيل المثال استطاعت أن تستفيد من القوة البشرية الموجودة لديها وغزت العالم . فى الوقت الذى تجد فيه الزيادة السكانية ” شماعة ” لـ دول العالم الثالث .
نحن لدينا نعمة ونفرط فيها بأيدينا . لماذا لا تتبنى الدولة فكرة إقامة صناعات محلية أو إستقطاب صناعات من الخارج كما تفعل دول شرق آسيا ” ماليزيا ـ سنفافورة ـ تابوان .. إلخ ” لاستيعاب تلك الأيدى العاملة وإستقطاب العقول المصرية المهاجرة للخارج وخاصة إن علمنا أن المصريين فى الخارج نوابغ ويشار لهم بالبنان ، لأن البيئة المحيطة هى ليست بيئة ” محبطة ” وإنما تشجع على الـ إبداع والإبتكار والدليل أن أغلب المبعوثين إلى الخارج لا يعودوا ، وإن عادوا يتم ” وأد ” موهبتهم ، ولا يفكر أحدا أن يستفيد من العلم أو الخبرات التى إكتسبوها وتضيع فى دهاليز الحقد والروتين .
القضية خطيرة جدا وتستحق الدراسة ، وبالتأكيد لا يمكن أن نغفل تحويلات المصريين العاملين بالخارج والتى بلغت 29.1 مليار دولار خلال الفترة من يوليو 2021 إلى مايو 2022 وهو يعادل أضعاف دخل السياحة فى مصر التى تعانى من كساد شديد منذ بدء أزمة كورونا وكانت تتجاوز الـ 13 مليار دولار فى العام ، لا شك أن هذه التحويلات هى الداعم للإقتصاد المصرى الذى يعانى من أزمة أعباء الديون التى قد تتزايد فى السنوات القادمة وقد تستنزف الدخل القومى كله بما فيه دخل قناة السويس !!
إن أعظم ما تملكه مصر هو ” الثروة البشرية ” مصر بها من الـ أطباء والمهندسين والفنيين والعمال المهرة والمعلمين .. إلخ ، بالقدر الذى يجعلنا فى مصاف الدول المتقدمة لو أحسن إستغلال تلك العقول الـ شاردة ، وأن أحسن إستثمار هو الإستثمار فى البشر وتعليمهم وتأهيلهم صحيا وعلميا .
ومن الطوابير أمام سفارات الدول العربية إلى طوابير أخرى تتزاحم على حجز قيلات ” مراسى ” الجديدة Soui بالساحل الشمالى ، على الفيلات المتاحة وأغلبها بمساحة 580 متر ،ـ ويبلغ سعر الفيلا الواحدة مبلغ 105 مليون جنيه فقط ، خلال الـ 24 ساعة الماضية وصلت الحجوزات إلى 300 فيلا ، وبلغت قيمتها 34 مليار جنيه ، مع التأكيد على أن التخصيص سوف يكون بأسبقية الحجز .. ولاتعليق !!
وهو نفس التزاحم على حفل الفنان عمرو دياب فى الساحل الشمالى أيضا ، والجديد الذى كشفت عنه الشركة في بيان لها عن أسعار التذاكر الجديدة لـ حفل العلمين بعد نفاذ فئة Lounges التى قدرت بمبلغ 60 ألف جنيه ، ورفعت شعار كامل العدد ، هناك 3 فئات أخرى تنوعت مابين الـ Regular بسعر 600 جنيه ، الفئة الـ Fan Pit بـ 1000 جنيه ، الفئة الـ VIP Bean Bags بسعر 2000 جنيه وأخيرا فئة الـ High Table بسعر 24 ألف جنيه !!
يأتى هذا فى الوقت الذى يعيش فيه غالبية الشعب المصرى تحت خط الفقر ، وفى الوقت الذى نجد فيه من تقتات من القمامة .. فأين العداله ؟ نعم من حق هذه الناس أن تعيش ، لكن ليس هؤلاء هم الشعب المصرى فهناك شباب عاطل عن العمل ويبحث عن وظيفة ، وهناك من يكاد دخله الشهرى أن يسد رمقه ، وهناك شباب غير قادر على تكاليف الزواج ، وهناك أسر لا تجد قوت يومها فى ظل غلاء لم يفرق بين غنى ومحتاج .
والسؤال هنا : لماذا لم تطبق الدولة على تلك الفئة ” فئه الساحل ” وكما شئت أن تسميها الضريبة التصاعدية والحد الأعلى للأجور من أجل تحقيق العدالة الـ إجتماعية ، وتلك مسألة أخرى تحتاج أيضا لـ إعادة النظر !!
أعتقد انه على الرغم من الأهمية الكبرى التى توليها الدولة للمشروعات التى تقيمها حاليا ، لكن يجب على الدولة فى الفترة الحالية ، الفترة التى يعانى منها العالم من الأزمات والتضخم أن تعيد النظر وان تولى الصناعة أهمية خاصة لـ أنها هى الملاذ الأول والأخير ، وحتى لا نندم فى وقت قد لا ينفع فيه الندم ودائما وأبدا .. تحيا مصر !!
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.