تناولنا فى المقال السابق كيفية ضمان نجاح الترويج لقصص مصر التنموية المعتمدة كل الإعتماد على التنسيقوالتشاور المشترك بين قنوات الدبلوماسية السياسية والاقتصادية لمصر ،فنجاح الدبلوماسية السياسية خلال الفترة الماضية عبر التمسك بسياسة تصغير المشاكل لحث المجتمع الدولي على المشاركة الفعالة فى الحل وحل
المشاكل الأخرى وهو ما تجلى فى معالجة أزمة المياة مع الشقيقة إثيوبيا عبر البحث عن مصادر أخرى كفيلة بتعويض ما قد يتعرض له نصيب مصر من مياة النيل الأزرق لنعطى درس للعالم أننا لن نتهدد حتى ولو كان التهديد
حقيقياً ،وفى نفس الوقت أصبغت السياسية الخارجية هالة من القوة صدرتها للعالم ومتضمنة التمسك بأمر آخر
وهو إقامة علاقات متوازنة مع جميع القوى الفاعلة دولياً ،هذا النجاح السياسى يجب الإرتكاز عليه عند تدشين الدبلوماسية الإقتصادية والتى تم بالفعل تدشينها ويبقى نجاحها مرتبط بضرورة التخلص من الفساد الإداري عبر أجهزة الدولة المعنية .وتبقى الإشارة إلى ضرورة التعرف على المعايير السبعة التى يجب أن تلتزم الدولة بحمايتها
من أجل زيادة تنافسية الإقتصاد المصري،وتوفير أقصى درجات الجذب الإستثمارى عبر تهيئة المناخ السياسى
والإقتصادى،قد تكون الجولات الرئاسية الأخيرة من القمة العربية الأمريكية إلى القمة المصرية الألمانية والصربية
والفرنسية ، ضرورة حتمية لتوفير مناخ جاذب للإستثمار في مصر،ولكن هل المعايير السبعة لتعزيز مناخ الإستثمار
متواجدة ومهيئة للقيام بدورها المكمل فى زيادة الإنتاج وتشجيع التصدير وتنظيم الإستيراد؟. البداية وجود بنية
تحتية جيدة وتشريعات إقتصادية مكملة ،أعتقد أن ما تم إنفاقه على البنية التحتية في مصر خلال السبع سنوات
الماضية والمقدر ب ٤٠٠ مليار دولار كفيل جداً بأن تقترب بوصلة الإستثمارات الأجنبية المباشرة وغير المباشرة إلى
مصر،ووصفها بأنها أكثر الأسواق والإقتصاديات الناشئة إقليمياً ودولياً ، وفى هذا السياق لابد من التأكيد على إلتزام
النظام الإقتصادى المصرى بدعم محاور التنافسية وتشجيع الإستثمار مع التأكيد العملى على ضمان إقامة نمو
متوازن جغرافياً وقطاعيا ، الأمر الذي يستدعى ضرورة إعادة إحياء الفكرة التى طرحها الرئيس السيسي الخاصة
بإعادة التقسيم الجغرافى والقطاعى لمحافظات مصر خاصة الصعيد والتى تقع تحديدا على نهر النيل من خلال أن
يكون لكل محافظة ميناء تابع لها على مياة البحر الاحمر مباشراً ( تقسيم جغرافى أفقى ) الهدف من ذلك إحداث
حالة من التنافسية بين المحافظات بعضها البعض،مما يؤدى إلى السعى نحو الإستغلال الأمثل لموارد المحافظة
التى تنوعت ما بين مقومات سياحية وتعدينية ومحجرية وزراعية وصناعية ،وقد تناولت سابقا فكرة إقامة جائزة
تسمى جائزة المحافظ الذهبى التى تعطى للمحافظ الذى يحقق أكبر وأعلى مساهمة في تحقيق إستراتيجية
مصر المستقبلية مقارنة بباقى المحافظين. المعيار الثانى لتعزيز مناخ الإستثمار في مصر هو ضرورة مواكبة
التطورات الكبرى والمتسارعة فى تكنولوجيا تقنيات الذكاء الاصطناعي ،والسبيل لذلك هو استغلال نجاح
الدبلوماسية السياسية لمصر مؤخرا في تثبيت إقامة علاقات التعاون خاصة الإقتصادي مع القوى السياسية الفاعلة
دولياً عبر ضمان إكتمال مراحل التعاون التكنولوجى مع هذه الدول ليبدأ بمرحلة نقل التكنولوجيا ثم تخزينها وأخيرا
توطينها وهو الأهم لنا فى عملية تحقيق التنمية المستدامة ،فالتجربة الرواندية والكنونجولية لأشقائنا فى القارة
الأفريقية تجربة فريدة يجب أن نحتذى بها والتى تقوم على الشراكة مع دولة متقدمة تكنولوجيا بعد إمتصاص اى
هواجس أو مخاطر قد تحدث حال نقل التكنولوجيا من هذه الدولة ،الأمر الذى يدعونا إلى تكرار هذه التجربة أن
مقدماتها تتشابه إلى حد كبير مع ما نقوم به حالياً ،فهذه الدول الأفريقية أقنعت الدول المتقدمة تكنولوجيا بأنها
سوف تحصل على هذه التكنولوجيا لتحقيق أمنها الغذائى والتصدير للدول المتقدمة ،ونحن الآن بالفعل على أعتاب
ثورة جغرافية واسعة تسعى لتمدد الرقعة الزراعية التى نعيش عليها الآن من ٩ مليون فدان إلى أكثر من ١٧ مليون
فدان ،وهذا أمر قد تتعامل معه بذكاء الدبلوماسية السياسية لمصر والتى هى أقرب الدول للقارة الأوروبية التى
تعرضت لحالة من عدم الإستقرار إبان أزمة جائحة كورونا بتعرضها لأزمة غذائية غير متوقعة وتنذر بتكرارها مرات
أخرى
وبالتالى فالقارة العجوز تبحث عن ملاذ آمن يضمن لها إستقرار أمنها الغذائى. تستطيع الدبلوماسية السياسية
لمصر تحقيق المعادلة الصعبة الحصول على التكنولوجيا مقابل الحصول على الأمن الغذائى.المعيار الثالث لتعزيز
وتوفير المناخ الجاذب للإستثمارات هو وجود مؤسسات مالية ونقدية قوية عبر ضمان التنسيق المشترك بينها
لضمان تدفق الإستثمارات الأجنبية المباشرة إلى مصر والتحفظ ويحذر على دخول الإستمارات الأجنبية غير
المباشرة والتى تسمى بالأموال الساخنة التى لا يستفيد منها أى إقتصاد وطنى بقدر إستفادة مستثمرى هذه
الأموال، وأعتقد أن تجربة مصر السابقة مع هذه الأموال تحتاج إلى وقفة جادة وذلك عبر الثلاث أزمات الاقتصادية
السابقة بدءاً من أزمة الأسواق الناشئة في عام ٢٠١٨ والتى خرج من مصر وقتها قرابة ٢٠ مليار دولار ، ثم أزمة
جائحة كورونا أواخر عام ٢٠١٩والتى خرج من مصر وقتها ١٥ مليار دولار ثم الأزمة الروسية الأوكرانية٢٠٢٢ والتى
خرج من مصر ٢٠ مليار دولار، ما نؤكد عليه أن التنسيق المشترك بين السياستين المالية والنقدية فى مصر فى
ضوء الإلتزام بمعايير الشفافية والحوكمة سيضمن عدم تكرار مثل هذه الممارسات مع تعزيز وتوفير المناخ الجاذب
للإستثمارات فى مصر . وسنستكمل بإذن الله باقى المعايير السبعة في المقال القادم.