إبراهيم نصر يكتب : مخالفات شرعية.. وليست فتاوى فقهية
أستاذ مرموق بجامعة الأزهر الشريف، يستضيفه إعلامى شهير وخصص له فقرة فى برنامجه تذاع مرة كل أسبوع
تحت عنوان “الفكر الديني”.
هذا الأستاذ ظل يعدد فى حلقة يوم السبت الماضى أحكاما فقهية وزعم أنها تغيرت فى المجتمع ربما إلى النقيض،
وهو يستدل بذلك على أن الأحكام الفقهية تتغير وفق أفعال الناس وأهواءهم، وإمعانا فى التدليس على عوام الناس،
فهو يستدل بأن العرف مصدر مهم من مصادر التشريع، ويستدل أيضا بقاعدة شرعية تقول: “إن العرف حاكم”.
ولا خلاف على أن العرف من المصادر المهمة من مصادر الفقه الإسلامي، وقد بنيت عليه قواعد فقهية كثيرة،
بل إن العرف يؤدي دوراً مهما في تفسير النصوص الشرعية المطلقة التي لا يوجد لها تفسير في الشرع واللغة،
فأي لفظ ليس له حد في الشرع أو في اللغة يكون مرجعه العرف.
العرف الصحيح لا يصطدم مع النصوص الشرعية القطعية
والقول بتخصيص عام النص بالعرف لا يؤدي – كما يرى هذا الأستاذ المرموق – إلى نسخ النص الشرعي ولا إلى تعطيله وهدمه،
ولا إلى تبديل أحكام الشريعة، لأن العرف الذي يخصص عام النص هو العرف الصحيح الذي لا يصطدم مع النصوص الشرعية القطعية،
فالتعارف على شرب الخمر والمخدرات، ولعب القمار، وخروج النساء حاسرات الرؤوس والسيقان، ورقص الرجال مع النساء، وغيرها من العادات
التى تفشت فى بعض المجتمعات الإسلامية لا تعد أعرافاً صحيحة، وليس لها أي اعتبار مهما كثر فاعلوها
أو تقادم عليها الزمن لأنها أشياء طارئة لا يقرها الشرع والدين فى كل زمان ومكان، فالمحرمات والمنكرات يمنعها ويحرمها الشرع
لما فيها من مساوئ ومفاسد تفتك بالمجتمع، وتخرج الناس عن سبل الكمال والصلاح الذي تدعو الشريعة الإسلامية إليه.
فيا فضيلة الأستاذ الأزهرى المرموق، إن اعتياد الناس بعضاً من المنكرات والمحرمات لا يزيل علة تحريمها لأن تحريمها
لا يستند إلى عدم اعتيادها بل إلى مفاسد وخبث نتائجها، وهذا يكثر باعتيادها ولا ينقص.
والأمثلة على ذلك أكثر مما ذكرته فى البرنامج التليفزيونى بحيث لا يمكن أن نحصيها، والفرق كبير بين الفتاوى الفقهية
المعتبرة الصادرة عن علماء متخصصين وبين الآراء الشخصية المستندة إلى الأعراف الفاسدة التى تطرأ على المجتمعات وهى فى الأساس
مخالفة لأصول الدين، فينبغى تقويمها وبيان فسادها، بدلا من التسليم بها ومحاولة تطويع أحكام الفقه لها، فذلك والله ضياع للدين
وتشجيع على إفشاء المنكرات فى المجتمعات الإسلامية، فما بالنا بالشذوذ والزنا والموبقات الحادثة فى المجتمعات الغربية غير الإسلامية،
فهل لنا أن نسلم بها ولا ننكرها، بزعم أن مجتمعاتهم ارتضتها، وصارت عرفا لهم؟.
ينبغي أن نضع تحت جملة العادات والأعرف الصحيحة ألف خط
إن الأمثلة التى يذكرها الفقهاء المعتبرون على جواز اعتبار العرف فى تقييد العام أو تخصيص المطلق أو تغيير ظاهر النص،
تدل على استجابة الشريعة الإسلامية في نصوصها العامة وقواعدها “للعادات والأعراف الصحيحة” التي تسهل على الناس حياتهم
وتدفع عنهم الحرج والمشقة محققة لهم مصالحهم في كل زمان ومكان، وينبغي أن نضع تحت جملة العادات والأعرف الصحيحة
ألف خط، لأن العادات والأعراف الفاسدة وغير الصحيحة فى نظر الشرع لا يتغير بها حكم شرعى ولا اعتبار لها
عند فقهاء المسلمين.
والقول بتخصيص عام النص بالعرف جائز قطعا، ولكنه لا ينسخ النص الشرعي، ولا يهدمه، كما تريد فضيلتك أن تفعل،
لأن العرف الذي يخصص عام النص هو أيضا العرف الصحيح الذي لا يصطدم مع النصوص الشرعية القطعية، كما فى أمر
حجاب المرأة المسلمة الذى تدعو إلى إلغائه والسكوت عن التبرج بحجة أن بعض المجتمعات الإسلامية فيها كثير من المتبرجات،
فهل يصير ذلك التبرج عرفا صحيحا ينبغى إقراره شرعا؟.
ارحمونا من هذه الهجمات الإعلامية على ثوابت الدين التى جرأت علينا تنظيم القاعدة وداعش وواغش.. وهلم جرا.
Ibrahim.nssr@gmail.com