كتبت في مقال سابق في بداية هذا العام أن كثيرا من الدول التي بلا تاريخ أو حضارة تبحث عن أي شيء يصنع لها تاريخ ، وتدفع الملايين للحصول علي تمثال أو لوحة فنية تضعها في متاحف لتكون جزءا من عناصر قوتها الناعمة
وأن الحديث عن مصر في هذا الخصوص لا ينتهي بانتهاء الوقت لما تضمه من تراث تكون منذ آلاف السنين ، وحضارات متعاقبة جعلت مصر من أول وأكثر دول العالم تنوعا فكانت فجر الضمير للعالم كله ..
ولأن الشيء بالشيء يذكر – وهذا هو الأهم – أجري وزير النقل قبل 7 شهور مداخلة مع إحدي الفضائيات تحدث فيها عن الطفرة الكبيرة والنقلة النوعية التي تسعي إليها مصر في وسائل النقل والمواصلات الحديثة صديقة البيئة
وكيف استطاعت مصر أن تنشيء خطوط جديدة تقترب من حجم وسعة الشبكة القديمة كلها ، وتحدث عن ظاهرة الأولاد الذين يلقون بالحجارة علي قطارات الصعيد ويسببون إتلاف زجاج القطارات وإصابة الركاب إصابات بالغة
ولا نعرف حتي اليوم ما جري لهؤلاء الأولاد وكيف تم عقابهم وعقاب ذويهم كما تحدث عن سرقة كابلات اتصالات في مشروع القطار الكهربائي في شارع جسر السويس !
قبل يومين أجري الوزير كامل الوزير مداخلة ثانية مع احدي الفضائيات وشرح جديد ما تم من تطوير خلال الفترة من يناير 2022 وحتي اليوم بالنسبة للقطار الكهربائي والمترو والمونوريل وما يجري بشأن السكة الحديد بشكل عام
وكما حدث في المداخلة الأولي تم عرض فيديو لمجموعة لصوص يسرقون الصناديق التي تحتوي علي وصلات وتكنولوجيا السيمافورات التي هي ” عقل ” السكة الحديد والمسئولة عن تأمين سير القطارات علي الخطوط الطوالي وإيقافها في حالة وجود أي مشاكل أو حوادث علي الخطوط
هذه السرقة كانت قد عطلت حركة القطارات علي الخط الرئيسي بين الأسكندرية والصعيد مرورا بالقاهرة لساعات طويلة أربكت حياة الناس وعطلت مصالحهم ، وخلقت صورة ذهنية سلبية عن إنجازات تحدث لتطوير هذا المرفق العام
الوزير أعلن أنه تم القبض علي التشكيل العصابي الذي قام بسرقة هذه الصناديق ودمر محتوياتها للحصول علي ما يوازي كيلو من النحاس وبعض الأسلاك مرتفعة القيمة لبيعها بما يعادل خمسون أو مائة جنيه ، بينما تكلفة الصندوق الواحد تتجاوز المليون جنيه لما يحتويه من تكنولوجيا دقيقة ومتطورة
الوزير قال أن المتهمين تم تحويلهم إلي القضاء العسكري ، وهذا جيد وضروري ولا بد منه في كل القضايا المماثلة التي تشكل اعتداءا علي المال العام وممتلكات الشعب الذي يعاني من صعوبة الحياة حتي يكتمل البناء !
والحقيقة أن جريمة سرقة صناديق التحكم في سيمافورات السكة الحديد ليست مجرد سرقة عادية لصندوق نحاس أو كابلات تضع السارق تحت طائلة مواد قانون العقوبات الخاصة بالسرقة أو الإتلاف ..
الجريمة بما قد تسببه من آثار كارثية لو – لا قدر الله – وقع تصادم بين قطارين بسببها أسفر عن وجود ضحايا ومصابين بالإضافة إلي الآثار غير المباشرة من تعطيل حركة السفر وتعطيل حياة الركاب ، والآثار النفسية لكل الناجين يجعلها تدخل في جرائم القتل العمدي مع سبق الإصرار !
ما حدث كان يمكن أن يؤدي إلي هذه النتيجة ويحدث صدام مروع يوقع ضحايا ومصابين لا يعلمهم غير الله ، ولولا عناية الله وانتباه سائقي القطارات ووقوفها في الوقت المناسب ، وإبلاغ المسئولين واتخاذ اللازم لكنا في أزمة كبيرة !
الوزير في نهاية المداخلة طلب تكاتف الإعلام ومساندته وبذل مجهود في العمل علي زيادة الوعي ، وتذكير الناس أن هذه ممتلكاتهم وأموالهم ، وأن الدولة تسعي للارتقاء بوسائل النقل لتكون قادرة علي استيعاب حركة الناس وتنقلاتهم بطريقة آدمية ومريحة وفي قدر استطاعة كل الفئات !
كل هذا رائع ولا غبار عليه لكني أهمس في أذن الوزير أن التعويل علي زيادة الوعي لا يكفي ، ولن يحقق الردع المطلوب لفئة ضالة قررت السطو علي مقدرات الدولة وممارسة السرقة المقترنة بالقتل العمدي لا قدر الله
أتمني أن يمارس البرلمان دورا إيجابيا في تشديد العقوبة في مثل هذه الجرائم أو يسن قانون جديد يتيح لجهات التحقيق تكييف الاتهام بوضوح .. فلا يستطيع محامي النفاذ منها
الوعي مطلوب لا شك في ذلك .. لكن تطبيق القانون وتنفيذه يحقق الردع ويحمي ممتلكات الدولة ومقدرات الشعب .. حيث لا مجال لمناشدات من وزير أو إعلام بينما السرقات مستمرة وفي وضح النهار .