الكاتب الصحفي عصام عمران يكتب : مصر بين جمهوريتين

 

‮٠٧ ‬عامًا بالتمام والكمال مرت على اندلاع ثورة ‮٣٢ ‬يوليو ‮٢٥٩١.. ‬والتى أحدثت تغييرًا جذريًا ليس فى مصر فقط وإنما فى الوطن العربى،‮ ‬بل وفى أفريقيا حيث قادت تلك الثورة العظيمة حركات التحرر والاستقلال فى المنطقة حتى أطلق عليها »‬أم الثورات‮« ‬العربية والأفريقية،‮ ‬ورغم مرور كل هذه السنوات الطوال لا تزال‮ »٣٢ ‬يوليو‮« ‬حاضرة وبقوة على كافة المستويات،‮ ‬وكل عام ونحن نحتفل بذكرى تلك الثورة العظيمة‮ ‬يخرج علينا‮ »‬قلة‮« ‬يهاجمونها ويتطاولون على أبطالها،‮ ‬والغريب أن معظم هؤلاء المهاجمين أو المتطاولين كانوا فى مقدمة المستفيدين من تلك الثورة والتى لولاها ما حصلوا على التعليم أو الرعاية ونكل بآبائهم وأجدادهم تحت قهر الملكية وطغيان الاحتلال‮.‬

‮ ‬قادتنى الصدفة وأنا أتابع الاحتفال بذكرى ثورة‮ ‬يوليو إلى مشاهدة خطاب مهم للرئيس والزعيم الراحل جمال عبدالناصر وهو‮ ‬يتحدث عن مكاسب ‮٣٢ ‬يوليو مخرجًا ورقة صغيرة من‮ »‬جيبه‮« ‬دوَّن فيها تفاصيل تأميم الأراضى والمصانع من الإقطاعيين ومنحها للمصريين،‮ ‬وكانت المفاجأة أن ‮٠٢٣ ‬أسرة أو شخصًا فقط هم وحدهم‮ ‬يملكون نصف مليون فدان فى ذلك الوقت تم منح كل منهم ‮٠٠٣ ‬فدان ووزع الباقى على مائة ألف فلاح ومواطن مصرى،‮ ‬وكذلك كان عدد الأسر والأشخاص الذين أُممت مصانعهم وشركاتهم سواء بشكل كامل أو جزئى لا‮ ‬يتعدى ‮٦ ‬آلاف شخص أو أسرة وهى نسبة ضئيلة إذا قورنت بعدد سكان مصر فى ذلك الوقت‮ »٧٢ ‬مليون نسمة‮« ‬عند اندلاع الثورة‮.‬

‮ ‬المؤكد أن هناك أخطاء ارتكبت أثناء وبعد الثورة وهو أمر طبيعى‮ ‬يحدث فى كل الثورات والأحداث العظيمة،‮ ‬ولكن تبقى ‮٣٢ ‬يوليو شامخة وحاضرة باعتبارها وضعت اللبنة والأساس للجمهورية الأولى التى أزالت الفوارق بين الطبقات وغيرت الحياة لملايين المصريين وأعادت لهم حقوقهم وكرامتهم،‮ ‬والأهم من ذلك أنها اهتمت ببناء الإنسان وتوفير التعليم المجانى للمصريين فى شتى مراحله مع التوسع فى إنشاء المصانع والمؤسسات الوطنية وهو ما جعل التجربة المصرية مثار إعجاب واهتمام الجميع فى ذلك الوقت وبدأت شرارة الثورية والتحرر تنتقل من مصر إلى المنطقة العربية وأفريقيا بل وأمريكا اللاتينية وغيرها من المناطق حول العالم وهو ما جعل البعض‮ ‬يخشى من نجاح التجربة خاصة فى الدول الكبرى وبدأت المخططات لإفشالها وإسقاط ناصر ومحاولة وأد وإنهاء تلك التجربة الملهمة،‮ ‬وبالفعل شنوا الحروب على مصر فى ‮٦٥٩١ ‬ثم ‮٧٦٩١ ‬التى كانت بمثابة الصدمة ليس لمصر وزعيمها فى ذلك الوقت وإنما لكل المنطقة العربية ورحل ناصر ولكن بقيت مصر وجيشها العظيم الذى لم‮ ‬يستسلم للهزيمة وأعد العدة واستطاع خلال سنوات قليلة رد الصاع صاعين وحوَّل النكسة إلى نصر عظيم فى ‮٦ ‬أكتوبر ‮٣٧٩١ ‬بقيادة الرئيس الشهيد محمد أنور السادات‮.‬

‮ومع مرور السنوات لم تنس تلك القوى أو الدول ما أحدثته مصر من تغيير فى النظام العالمى بعد ‮٣٢ ‬يوليو ‮٢٥ ‬وما تلاها من وقائع وأحداث وظلت المخططات والمؤامرات من أجل تنفيذ ما أطلقوا عليه‮ »‬الشرق الأوسط الجديد‮« ‬من خلال إحداث الفوضى الخلاقة‮ »‬على حد تعبيرهم‮« ‬حتى جاءت أحداث ‮٥٢ ‬يناير ‮١١٠٢ ‬أو ما أطلقوا عليه‮ »‬الربيع العربى‮« ‬والذى كان‮ ‬يستهدف النيل من دول المنطقة وتفتيت مؤسساتها الوطنية،‮ ‬وكانت مصر بالنسبة لهم‮ »‬الجائزة الكبرى‮« ‬التى‮ ‬يسعون إلى إسقاطها وتقسيمها،‮ ‬ولكن الله سلّم وكانت ثورتنا العظيمة فى الثلاثين من‮ ‬يونيو ‮٣١٠٢ ‬والتى أفشلت مخططات أهل الشر وأعوانهم فى الداخل والخارج،‮ ‬بل كانت بمثابة طوق النجاة والإنقاذ لكثير من دول المنطقة من ذلك المخطط الشيطانى وعادت مصر من جديد وبعد ‮٠٦ ‬عامًا من‮ ‬يوليو ‮٢٥ ‬لتغير النظام العالمى الجديد فى أعقاب‮ ‬يونيو ‮٣١٠٢ ‬وما تلاها من أحداث ووقائع كانت كفيلة برسم خريطة جديدة للمنطقة‮.‬

‮ ‬على نفس المنوال كانت ‮٠٣ ‬يونيو ‮٣١٠٢ ‬بداية لإقامة‮ »‬الجمهورية الثانية أو الجمهورية الجديدة‮« ‬التى تستوعب الجميع وتضمن‮ »‬حياة كريمة‮« ‬لأكثر من مائة مليون مصرى وتوفر لهم الأمن والغذاء والتعليم والصحة والمسكن المناسب رغم الظروف الصعبة التى‮ ‬يمر بها العالم خاصة فى أعقاب جائحة كورونا قبل ‮٣ ‬سنوات والأزمة الأوكرانية ــ الروسية التى اندلعت شرارتها منذ خمسة أشهر ومازالت ملتهبة حتى الآن وأطاحت باقتصاديات كبرى حول العالم‮.‬

‮ ‬الغريب والمحزن فى نفس الوقت أنك تجد البعض‮ ‬يهاجمون الجمهورية الجديدة أو دولة ‮٠٣ ‬يونيو تمامًا كما حدث مع الجمهورية الأولى وثورة ‮٣٢ ‬يوليو ولا‮ ‬غرابة إذا قلنا إن المهاجمين والمنتقدين هنا وهناك كانوا فى طليعة المستفيدين من الثورتين،‮ ‬وكأن هؤلاء قد وقعوا فى‮ ‬غرام ذُل ومهانة الملكية والاحتلال قديمًا وتسلط وديكتاتورية وفاشية حكم الإخوان وأعوانهم حديثًا ولله فى خلقه شئون‮..!!‬

عصام عمران
Omran666@hotmail.com

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.