محمد يوسف العزيزي يكتب : مصر وطوق النار .. والحوار الوطني !
مر ما يزيد عن عقد من السنوات علي ثورات الربيع العبري التي أطلق عليها الغرب وأمريكا ومن يخدمونهم من الجماعة الارهابية ومن عملاء الداخل في كل المنطقة مصطلح ثورات الربيع العربي
.. وبعد مرور أكثر من عشر سنوات لم يأت ربيع أو حتي علامة تدل عليه ، وإنما أتي خراب ودمار وتفكك دول عادت إلي زمن بعيد ، وتحول بعضها إلي دول فاشلة لم تعد قادرة علي الحياة .. بل لم تعد قادرة علي تشكيل حكومة أو انتخاب رئيس ، أو اتخاذ قرار في برلمان ..
العشر سنوات الفائتة أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أو التكذيب أن أمريكا والغرب وكل دول الاستعمار القديم لا يهمهم ديمقراطية ، ولا حقوق إنسان ، ولا مشاعر إنسانية ، ولا حتى دينية
.. كلهم وحوش يبحثون عن قطع اللحم في أي مكان يأكلونها ويتركون العظام لشعوب الدول التي تسقط بفعل التبعية العمياء أو الخيانة أيا كانت صورها ، وهم دائما يبحثون عن والي عكا .. ومن المخجل أنهم استنسخوا “والي عكا ” في كل البلدان الطامعين فيها !
إذا قرروا السرقة فلا يهم الوسيلة التي تتنوع وتتغير بين المال وتوفير الحماية والوعد بالمنصب إلي استغلال التدين الكاذب .. وأحيانا بلا مقابل .. فالخائن بطبعه يبحث عن من يشتريه بالمال ، وإن لم يجد فإنه يعرض نفسه بلا مقابل حني لا يطويه النسيان .. وهو لا يدري أن مصيره إلي مكب النفايات لا محالة .. !
تابعنا الكيل بمكيالين وأكثر في الترويج لفكرة الديمقراطية الغربية ، والنموذج العراقي والليبي ، وفي حقوق الإنسان رأينا العجب بين النموذج الفلسطيني والسوري واليمني وبين النموذج الأوكراني ، ورأينا كيف تتعامل أمريكا والغرب مع ما يبشرون به عالمنا العربي
.. تابعنا رفع الحوثيين من قوائم الإرهاب ، وتابعنا وضع الحرس الإيراني علي قوائم الإرهاب ، واليوم يلوحون برفعه منها مقابل الابتزاز السياسي والمالي لدول الخليج، والأمثلة لن تنتهي !
مصر منذ بدأت ثورات الربيع العبري وهي في طوق النار الذي يحيطها من كل جانب .. في الشرق الكيان العبري الذي يجني الآن ثمار كل هذه الثورات التي فقدت بسببها دول سيادتها وقرارها ولم تعد قادرة علي الفعل
وفي الغرب ليبيا التي تحولت إلي بؤرة صراع دولي وإقليمي نازفة ، وتتنازعها ميليشيات من كل حدب وصوب ، وحكومتان يقتسمان البلاد ، وجيش وطني محروم من التسليح حتي لا يستطيع فرض الأمن في البلاد ، ومجتمع دولي يدير الأزمة التي صنعها ولا يقدم حلولا نافذة فيسمح للميليشيات بالتسلح ويحرم الجيش الوطني
وفي الجنوب السودان الشقيق وتفجر الأزمة تلو الأخري أملا في امتداد الصراع الداخلي لتتحول إلي دولة فاشلة ويصبح أمن مصر القومي علي الحدود الجنوبية معرضا للخطر ، واستنزاف طويل للقوة والمال لفرض السيطرة علي تلك الحدود !
وفي الشمال أزمة شرق المتوسط وثروات مصر ومقدراتها الاقتصادية التي تحتاج إلي المزيد من اليقظة وفرض القوة بالردع المعنوي والمادي بالإضافة إلي مشاكل وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية التي تفرض ضرورة وجود سياسة واضحة ومباشرة تحفظ الحقوق المصرية والسيادة في المنطقة المهددة بين لحظة وأخري بالاشتعال !
هذا ما يتعلق بطوق النار الذي يحيط بالدولة المصرية ، ويفرض عليها واقع صعب وخيارات أصعب عند اتخاذ القرار سواء علي المستوي الخارجي أو الداخلي ، وما زاد الأمر صعوبة هو تداعيات الحرب الأوكرانية وما تفرضه من واقع اقتصادي قاس ، ومحاولات استقطاب حادة لا تراعي مصالح الدول ذات الاقتصادات الناشئة أو تلك التي تحاول أن تسترد عافيتها بعد جائحة وباء كورونا !
في ظل هذا الوضع – الذي لا تستطيع فيه دولة أن تتنبأ بما قد يحدث بعد شهر وليس سنة ، ولا يملك خبراء الاقتصاد والمال توقع ما قد يحدث في العالم بسبب التداخل المعقد في آليات السوق وأزمات الطاقة والغذاء المتصاعدة – تجري وقائع حوار وطني دعا له الرئيس السيسي وأطلق له العنان في كافة المجالات بدون سقف ، ودعا إليه كل الأطياف والأحزاب والفئات باستثناء الجماعة التي اختارت القتال وقت محاولات اسقاط مصر لصالح ثورات الربيع العبري
الحوار الوطني مهم وضروري .. لكن أهميته تكمن في القضايا التي يناقشها وفي مخرجاته التي تصدر عنه لذلك من الضروري طرح بعض الأسئلة :
* هل قرأ المتحاورن ما يجري حول مصر من أخطار قراءة جيدة ؟
* هل يدرك كل المشاركون في الحوار خطورة طوق النار الذي يحيط بمصر ؟
* هل يتابع المتحاورون ما يحدث في العالم بسبب تداعيات الحرب في الطاقة والغذاء ؟
* هل وصل المتحاورون إلي مساحة مشتركة حول أهم التحديات التي تواجه الدولة المصرية وليس النظام السياسي في هذه الأزمة المركبة ؟
* هل استوعب المتحاورون أهمية تصحيح المفاهيم المغلوطة التي يرفعها بعضهم انقيادا وراء شعارات زائفة لا يعمل بها من أطلقوها علينا ؟
الأسئلة لن تنتهي لأن العقول شتئ ، والمصالح متقاطعة ، والولاءات متعددة ، وعواجيز الفرح يملأون صفحات الميديا بالتشكيك والتضليل ، ويجلسون أمام الكاميرات ينشرون الجهل والسطحية ويسعون لإفراغ العقول ، بينما الوطن يحتاج إلي ولاء واحد وواضح ، وإلي مصالح متجانسة لا تتصادم مع مصلحة الوطن ، وإلي عقول مؤمنة بالدولة الوطنية وبقدرات أهلها علي العبور من الأزمة بسلام ، وإلي وعي يكون حائط الصد المنيع .