الدكتور أسامة مدنى يكتب : “في الخلود فناء، وفي الفناء خلود” (1)
ثنائية الخلود/الفناء Mortality/Immortality متأصلة فى التراث الإنسانى والأدبى. يؤكد فرويد على غريزة البقاءبداخلنا ورفضنا للموت كنهاية حتمية: “الجميع سيموت إلا أنا”. فالوجود أنا وأنا الوجود عند فرويد والانفصال عن هذا الوجود مكبوت غريزياً ويقبع فى ركن دفين من اللاوعي. ويأتي الإبداع، كما يؤكد فرويد Freud، كوسيلة تعويضية محققة للخلود، دافعة له بفعل غريزة البقاء.
ونجد أفلاطون Plato فى نظريته الشهيرة عن “المُثل” Ideals يتعرض لثنائية الخلود/الفناء، الروح/الجسد. فالروح خالدة أبدية والجسد فان زائل، وعالم “المثل” مستقر أبدي فى حين أن عالم الواقع مزيف متغير، فتتصارع الروح لتتحرر من الجسد وتعود إلى أبديتها. وأوضح كانط Kant أن البقاء للإنسانية لا للأفراد؛ فالنفس الفردية إذا فارقت البدن انضمت إلى الجوهر الكلي واتحدت به. ويعتقد باسكال Pascal بوجوب الخلود بعد الموت، فإذا خُلد الإنسان فسوف يُجازى نتيجة إيمانه، أما إذا فنى فلن يضيره ما كان يعتقد من الخلود. وهذا يذكرنا بقول المعري:
قال المنجم والطبيب كلاهما
لا تُحشر الأجساد قلت إليكما
إن صّح قولكما فلست بخاسرٍ
أو صحّ قولي فالخسار عليكما.
ويطالب هيدجر Heidegger وسارتر Sartre بأن ينفتح الإنسان لفكرة الموت بفرح وفخر لأن ذلك يرهف وعيه بالحياة،
وهذا فى حد ذاته خلود يقاوم الفناء الذي نغص على الوجوديين عالمهم.
ويؤكد الكندي على خلود النفس بعد الجسد المتحلل، فعلاقة الروح بالجسد عارضة، متحدة به لكنها خالدة بعد
فنائه، ترتحل إلى الضياء الأعلى حتى تلتحم به. ويقول الفارابي إن النفس صورة الجسد وجوهر روحي مباين له،
ويذهب إلى خلود النفس الفاضلة التي تسعى لتحقيق السعادة وفناء النفوس الخبيثة مع الجسد. ويرى ابن سينا
أن علاقة الجسد بالنفس عَرَضيَّة، وآراؤه في النفس لا تخرج عن مقالة أفلاطون عن العالم غير المحسوس الذي
هبطت منه النفس، أما خلود النفس، فيقول ابن سينا إن الذي لا يفنى منها هو العقل الفعّال، أما النفس الناطقة
فتفنى بفناء الجسد. وفى الصوفية، الإنسان يموت ليبقى مع الله، والموت عندهم اتصال بالمطلق، سفر الى الخلود
الأبدي. فالموت كما يرى ابن عربي هو الفناء الكلي، اكتمال الفناء بصورته المثلى، أي أن يلتحق الوجود الجزئي
بوجوده الكلي فيفنى الوجود السابق في الوجود الأصيل.