كل عام وأنتم بخير ، دائما المناسبات السعيدة مثل الأعياد وغيرها تكون فرصة لـ تجمع الأهل والأقارب والأحباب والتمتع بدفء الأسرة الكبيرة والـ إحساس بالعزوة ، وأدعوا الله أن يديمها علينا أعواما وأعوام وأن لا يحرمنا منها ، كلما هلت علينا مناسبة سعيدة أتذكر قصيدة للأمير خالد الفيصل عنوانها ” يا أسمر التيل عاودنى عليك الحنين ” وقد تكون هذه القصيدة هى المعبر عما يجول بخاطرى تجاه أهلى وأحبابى فى صعيد مصر ، ولذا تجدنى أحرص كلما سمحت الظروف أت أقتطع بعضا من الوقت لـ أنعم بدفء الأسرة الذى يحرمنا منه صخب العاصمة ، فى رحلة أعود منها كأنما ولدتنى أمى من جديد !!
قضاء العيد وسط الاهل وأبناء العمومة والـ أصحاب فى صعيد مصر طقس سنوى أحرص عليه من سنوات وخاصة عيد الأضحى المبارك لما له من خصوصية وذكريات قد لاتنتهى بنهاية العمر ، تبدأ الذكريات بحرص والدى وأعمامى رحمة الله عليهم جميعا على إحياء هذه الشعيرة العظيمة كونها قربة لله تعالى وسنة عن النبى ﷺ وكون بيتنا هو المقر الرئيسى لـ تجمع أفراد الأسرة الأعمام والعمات وأولادهم فى الزمن الجميل قبل أن ترهقنا الحياة بكثرة مطالبها !!
كانت الحياة فى الريف منذ نشأتنا بسيطة جدا وسهلة ، وكانت خالية من العقد والحقد والغل والحسد والمشاحنات ، وكان الحب موجود والرحمة .. إلخ تلك الخصال الحميدة ، والحمد لله أننا تشبعنا منها ونحاول أن نورثها أبناءنا ، ” وفديناه بذبح عظيم ” هذا هو موضوع أغلب الخطب فى المساجد التى يتحدث فيها أئمه المساجد لـ يذكروا الناس بما دار بين أبو الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام وإبنه إسماعيل عندما رأى رؤيه فى المنام أنه يذبح إبنه .. إلخ كما وردت فى كتاب الله .
أما الـ أضحية نفسها وقد تطورت مع مرور الأيام من “كبش ” إلى ” عجل” لـ إيجاد سعة على الفقراء فهى تبدأ من بعد صلاة العيد ويتم تقسيم الـ أضحية إلى ثلاثة أقسام ” للفقراء والأحباب وأهل البيت ” أن تتقرب إلى الله بإدخال البهجة على قلب أسرة فقيرة فتلك فرحة لا يشعر بها إلا من إعتاد عليها ، كانت أمى ” رحمها الله” تحرص على إعداد وجبه إفطار نتناولها أثناء تجهيز الـ أضحية عباره عن ” قلب وكبده وطحال وكلاوى ” أزعم أن طعمها ورائحتها لم تفارقنى حتى بعد أن بلغت الـ 56 من عمرى .
من الأشياء التى أتذكرها حرص والدتى على أن تشاركنا هذه الوجبة جارتنا المسيحية التى كانت تحيك لها ولـ إخوتى البنات الثياب ، وأيضا على أن يكون لها النصيب الـ أوفر من الـ أضحية ، ولم نكن نعلم والله الفرق بين هذا مسلم وهذا مسيحى ، غير أن هذا يعبد الله فى المسجد ، وهذا فى الكنيسة !!
بعد أن نقوم بتقسيم اللحم وتوزيعه نشتم رائحه المرق والفته فى أول يوم للعيد ، وفيه إعتدنا أن يتم تجهيز مايسمى ” المعاش ” المكون من ” الكرشة ــ والفشة ــ والمصران ــ ولحمه الرأس ـ والكوارع _ والمنبار .. إلخ ” وهذه الأشياء لها محبوها ، وأيضا لها مسمياتها المختلفة من مكان إلى مكان فهى ” المعاش ” وهى ” السقط ” وهى ” العفشة ” وأيا ماكان الـ إسم فهى أكلة تعتمد على مهارة الطاهى فى تنظيفها وإعدادها الـ إعداد الجيد الذى لا أبالغ إن قلت لك أحرص أن تأكل أصبعك معاه .
التعامل مع الـ أضحية بلطف ولم نجد مانراه اليوم على وسائل التواصل الإجتماعى من فديوهات مطاردة لعجول فى هالة هياج بالقدر الذى أفرغ هذه الشعيرة من مضمونها ، وتتوالى زيارات الأهل والأقارب فى العيد نجتر خلالها الذكريات ، وعندما يحين وقت الطعام تجد الموائد عامرة بما لذ وطاب من الطعام ، ومن بعد الفاكهه الطازجه بكل انواعها التى قطفت لتوها من أشجارها ، الحقيقه أنى دائما أحرص على غلق كل وسائل الـ إتصال لـ أستمتع بالأحاديث العائلية ، وذكريات الطفولة ، ونوادر القول ، بالقدر الذى ينسينى هموم الدنيا ومباهجها الزائفة ، أتنعم بالهواء النقى والطبيعة البكر الساحرة حيث زرقة النيل ومياهه العذبة ، وأنا أستمتع بمنظر الفاكهه التى نضجت على فروعها ، وقد حان وقت قطافها ، وتمر الأيام تحمل الذكرى .
العودة إلى الجزور .. صعيد مصر ذلك الدفء والحنان الذى أعتقد أنه لايزال ، ولا ابالغ إن قلت أنه على الرغم من حرص الدولة على تنمية الصعيد إلا أنه يفتقد للكثير . فالصعيد فى حاجة إلى نهضة صناعية حقيقية تستوعب هذا الكم الهائل من الـ أيدى العملة الماهرة التى يعتمد عليها ، وحتى لايكون الصعيد طاردا لـ أهله إلى الداخل والخارج ، الصعيد يحتاج إلى صدق النوايا ، وليست شعارات ترفع ، أثناء عودتى إلى الصعيد سلكت الطريق الصحراوى الغربى الذى تم العمل فى تطويره مؤخرا وتم الإنتهاء من إزدواجه تقريبا إلى محافظة أسيوط .
الرحله إلى الصعيد كانت شىء من العذاب لوعورة الطرق ، لكن الدولة مؤخرا قامت برفع كفاءة وتطوير عددا من الطرق وفقا للمشروع القومى للطرق ، وقامت بعمل إزدواج للطريق الصحراوى الغربى ، وأقامت عددا من نقاط لـ تحصيل رسوم المرور فى أول الطريق الصحراوى الغربى ، وفى مدخل المنيا ، وثالثه فى مدخل أسيوط بما قيمته 30 جنيه ، المشكله فى الفوضى والتزاحم عند نقاط التحصيل مش مهم ح تدفع كام ، المهم أدفع وأخلص وهو شعار المرحله .
المؤسف أن الطريق لايوجد عليه أية خدمات مثل دورات المياه أو شبكة للإتصال ، بإستثناء بعض محطات الوقود التى لاتتوافر أيضا فيها المياه ، بما فيها محطات ” وطنية ” والعجيب أن لايوجد أى تواجد أمنى فى كل نقاط التفتيش التى مريت عليها فى مداخل المحافظات ، أو رادرات للحد من السرعة الزائدة ، كون السفر كان يوم الوقفة وهو أدعى لـ تكثيف التواجد الأمنى !!
وقد هالنى هذا الكم من الحوادث المرعبة ، والحزن الذى خيم على الصعيد لـ فقدهم أستاذا فى جامعة الأزهر وزوجته وأبناءه الخمسة فى حادث أليم أثناء سفره لـ قضاء أجازة العيد بين أهله . كما أن المسافة من أسيوط إلى سوهاج حوالى 150 كم تفتقد للحياة ، أنت تسير فى صحراء جرداء قاحله لا ماء فيها ولاحياة ، وتشعر خلالها أنك فى مجاهل أفريقيا ، وإن لاقدر الله حدث عندك خلل فى سيارتك ربنا معاك ، ولك أن تتخيل أنه لايوجد حتى علامة إرشادية واحدة توحد الله تعلم منها أنت فين ، وهكذا من سوهاج إلى نجع حمادى !!
السؤال هنا : أين محافظى ” قنا ــ وسوهاج ” ؟ وهل فكر أحدهم أن يترك مكتبه الوثير ويتكبد مشقة تفقد هذا الطريق كما كان يفعل اللواء عادل لبيب الذى يترحم أهل قنا على أيامه والتغنى بإنجازاته ، لهؤلاء أقول لهم تفقدوا هذا الطريق حتى ولو من باب العلم بالشىء . الحقيقة أن الحديث عن الصعيد وهمومه يطول أترككم فى رعايه الله وأمنه ، وكل عام وأنتم بخير .