عبد الناصر البنا يكتب : هموم مصرية .. الصناعة !

عبد الناصر البنا – الفضائية المصرية
ذهبت لـ تغيير إطارات السيارة وكانت المفاجأة أن أغلب الـ إطارات الموجودة فى السوق صناعة ” كورى ـ تايوانى ـ ماليزى .. إلخ من دول شرق آسيا . تعجبت وسألت نفسى إحنا فين ؟ وفين الصناعه المصرية ؟ فين كاوتش نسر بتاع زمان ، وفين بطاريات نسر “فارتا” بالخبره الـ إيطاليه ؟ ضحك البائع وقال : تعيش وتفتكر ، دا كان زمان وجبر ، أيام ماكان عندنا صناعه !!
رد فعل البائع لم يكن مفاجئا لى أن شخصيا المهموم بهذا الوطن ، وجدتها فرصة مواتية ، ودار بينا حوار طويل عن الـ أحوال وتأثير إرتفاع سعر الدولار على أسعار الكاوتش ، البائع كان متعلم وكان صادق فى كلامه لما قال الدولار إرتفع بحدود 15 % لكن للأسف البضاعه زادت بنسبه 50 % ودلل على ذلك بأمثلة من ماركات الكاوتش الموجودة عنده ، تحدثت معه عن تأثير عدم ثبات سعر الصرف على المستثمرين ، ولسوء الحظ أن أغلب المستثمرين إما طفشوا أو ح يطفشوا بسبب السياسة النقديه الغير مستقرة ، وربنا يسترها علينا .
البائع كان صادق لما قال لى البضاعة كل يوم بسعر وإنهاردة المستورد مش عارف يخلص على بضاعتة غى الجمارك او يستورد بسبب الزيادة المستمرة فى سعر الدولار وصعوبة الحصول عليه ، وقال لى : لو سألت أى واحد من تجار الجملة أتحدى أى واحد يقولك بكره فى إيه ، التاجر من دول يقول لك نحدد السعر لما تكون البضاعة حاضرة . حديث البائع قلقنى ومايقلق أكثر الحالة الضبابية التى نعيشها والزيادة المتسارعة فى أسعار السلع والخدمات . نعم نحن جزء من العالم ، والعالم يعانى من أزمات شديدة لاداعى للخوض فيها ، وهنا يأتى دور التخطيط والـ إستراتيجيه والكلام الكبير الذى ضيعنا عمرنا فى دراسته أو سماعة من المتخصصين .
الصناعة ثم الصناعة ثم الصناعة ولابديل عن الصناعة على الأقل فى الفترة الحالية . وذلك لسبب بسيط وهو ان ملف الصناعة واحد من أخطر الملفات وأهمها ، لـ كون الصناعه قاطرة التنمية ، والصناعة تعنى التصدير الذى يعنى زيادة الـ إيرادات والدخل القومى من العملة الصعبة التى تعنى إنعاش الـ إقتصاد القومى ، ودوران عجلة الـ إنتاج ، لابد أن تكون الصناعة هى أولى إهتمامات الدولة فى المرحلة الحالية . المرحله الحالية وبكل أمانة وموضوعية تتطلب ” Hold ” لكل المشروعات القائمة لـ أجل معلوم ، والـ إتجاه إلى ملف الصناعة لأن دوران عجلة الـ إنتاج وتشغيل المصانع المتوقفة هى الأمل وهى المنقذ لـ مصر حاليا .
نحن المدفعون بحب هذا البلد نتألم كثيرا عندما نجد دولا سبقتنا مثل ” كوريا وماليزيا وتايوان وسنغافوره وهونج كونج وغيرها من النمور الآسيوية التى شهدت قفزات إقتصادية كبيرة ، وعمليات تصنيع سريعة حققت من خلالها معدلات نمو عالية بشكل إستثنائى ، وإستطاعت خلال فترات قصيرة أن تكون فى مصاف الدول المتقدمة ، ونحن وبكل أسف كنا نسبق تلك الدول ، لكننا تراجعنا إلى الخلف كثيرا . بنفس وتيرة تقدمهم إلى الأمام !!
مصر كما نعلم جميعا دولة كبيرة ولها تاريخ عريق فى الصناعة ولا أبالغ إن قلت منذ أيام الفراعنة الذين إستخرجوا المعادن كالذهب والحديد والنحاس والفضة .. وغيرها ، وصنعوا المعدات الحربية والعجلات وأدوات الزراعة وبنوا السفن وبرعوا فى صناعة النسيج والخزف والحلى المرصعة بالأحجار الكريمه .. إلخ
وجاء محمد على وأرسى دعائم نهضة صناعية كبرى فى مصر شملت المنسوجات والجلود والسكر والفخار والنحاس وعصرَ الزيوت ومضارب الأرز والأثاث المنزلى ، وصناعات حربية وكيماوية ، وأقيمت ترسانة لـ صناعة السفن وغيرها . ومع مرور الزمن إحتل قطاع الصناعة مرتبة متقدمة جدا من حيث الأهمية بالنسبة للإقتصاد القومى المصرى .
وإستطاعت مصر على يد طلعت حرب الملقب ” أبو الإقتصاد المصرى ” أن تحرر الإقتصاد المصرى من التبعية الأجنبية بتأسيس بنك مصر وعددا من الشركات العملاقة التى تحمل إسم مصر مثل ” شركة مصر للغزل والنسيج ، ومصر للطيران ، ومصر للتأمين ، ومصر للمناجم والمحاجر ، ومصر لصناعة وتكرير البترول ، ومصر للسياحة ، واستوديو مصر .. وغيره ” .
في عهد الزعيم جمال عبد الناصر شهدت مصر تطورًا كبيرا فى مجال الصناعة ، وقام بتأسيس عددًا من الشركات التي تنافس الشركات العالمية ، مثل شركات الغزل والنسيج ، والنصر للسيارات ، وتبنى مشروعا للصناعات الثقيلة مثل ” الحديد والصلب ، والألومنيوم والأسمدة وإطارات السيارات الكاوتشوك، ومصانع عربات السكك الحديدية سيماف، ومصانع الكابلات الكهربائية ، والتوسع فى المناجم والمحاجر .
حاصل القول أن مصر حققت قفزات كبيرة فى مجال الصناعة لـ سنوات طويلة ، لكن كما يقال دوما دوام الحال من المجال ، لـ 30 عاما مضت أصبحنا وطن مستهلك ونسينا الصناعة ، وتراجعنا وتراجعت منتجاتنا وإنهارت الصناعة بشكل واضح ، وتم إفشال شركات القطاع العام بقصد أو بدون ، ووصلنا إلى مايسمى ” الخصخصة ” أفشل مصطلح فى تاريخ البشرية ، منذ عام 2004 تم خصخصة عدد كبير جدا من المصانع لـ مستثمرين بسبب الفساد الإدارى فى صفقات تشوبها شبهة الفساد الإدارى ، والإنحراف المالى .
وشهدت مصر إحتجاجات عمالية بسبب خصخصة المصانع مصدر رزقهم وقوتهم ، وبسبب ضياع حقوقهم المالية وأغلقت مؤخرا مصانع الحديد والصلب ، والقومية للأسمنت ، والنصر للسيارات ، وإنهارت صناعات مثل الغزل والنسيج بالمحلة الكبرى ، والألومنيوم بنجع حمادى ، وأغلقت مصانع الكاوتش والبطاريات وتراجعت مصانع قها وأدفينا وبسكو مصر .. وغيرها .
حتى وإن كانت الدولة تعمل جاهدة فى الفتره الحالية لـ إعطاء قبلة الحياة لـ بعض من هذه الصناعات ، ولكن يبقى الأمل فى أن تتبنى مصر مشروع نهضة جديد مثل نهضة محمد على يعيد للصناعة المصرية مجدها وتاريخها ، وتجعل المنتج المصرى سفيرا لـ مصر فى كل دول العالم يحمل علامة ” صنع فى مص

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.