جيهان عبد الرحمن تكتب : أبواب الأمل

 جيهان عبد الرحمن
قبل عودتنا للقاهرة وعلي مأدبة العشاء التي دعانا لها السفير خالد جلال سفير مصر في ألمانيا بمنزلة بمقر سفارة مصر في برلين, روت محدثتي موقف لا ينسي, تعرضت له وكانت تقضي أجازتها بصحبة عائلتها في برلين حيث كانت تتسوق في ميدان الكسندر بلازا ويسبقها أبنها الذي يجيد الألمانية متجولا بين المحال التجارية وعمره وقتها كان نحو خمسة عشر عاما, لتفاجأ بشرطيين رجل وسيدة يستوقفان الصبى الصغير, ويستعلمان منه لماذا لم يكن في مدرسته في ذلك الوقت, وعلمت منهما أنه لو كان يحمل جنسية ألمانية أو حتي من جنسية أخري لكنه مقيم في ألمانيا يجب أن يكون في ذلك الوقت في مدرسته لا في السوق, ووفقا للقانون هناك كان سيتم معاقبة الأهل بنزع ولايتهما عن الابن ومنحة لأسرة بديلة تكون أحرص منهما علي مستقبلة التعليمي, ولم يتركوهما إلا بعد التأكد من هويتهما وأن العائلة مصرية تقضي إجازة قصيرة في ألمانيا.
كم تمنيت أن تحظي بلادي بمنظومة مماثلة جادة تحرص علي تعليم حقيقي لكل من يعيش علي أرضها, هكذا
كانت بلادي ولهذا لقبت قديما بمهد الحضارات, لم أمنع عقلي من صورة ذهنية بائسة فرضت نفسها واسراب
التكاتك يقودها صغار المتسربين ومن المدارس نهارا, أو تلك المقاهي التي تفرد كراسيها بامتداد أسوار المدارس
علي مرأي ومسمع من الكافة وشاشات التلفاز مثبتة علي القنوات الرياضية ليل نهار, قطعا المقارنة ظالمة ولا محل
لها من الإعراب أصلا, لكننا كنا هناك في ألمانيا, أربعة أيام بين بون العاصمة القديمة وبرلين العاصمة الجديدة, ووفد
رفيع المستوي من كبار الإعلاميين ورؤساء تحرير الصحف المصرية, لحضور احتفالية مرور 20 عاما علي إنشاء التعليم
الألماني العابر للحدود بدعوة من الجامعة الألمانية بالقاهرة وهيئة التبادل العلمي DAAD والوزارة الفيدرالية للتعليم
العالي والبحث العلمي في ألمانيا, وحضور مراسم إهداء بوابات الأمل لهيئة التبادل العلمي DAAD والمنقوش علي
قاعدتها عبارة” التغيير عن طريق التبادل” ذلك الرمز الذي صممته الجامعة الألمانية تعبيرا عن حلم التغيير الذي بدأ
هناك منذ أكثر من عقدين ليتحقق علي أرض الواقع بنجاح منقطع النظير .
التغيير لحال أفضل هو الأمل الذي دعي د. أشرف منصور مؤسس الجامعة الألمانية بالقاهرة, أن يحلم وهو هناك يعد
الماجيستير والدكتوراه أن ينقل جزء نابض بالعلم والحياة من جامعة أولم بألمانيا إلي مصر, وخلال تحقيق هذا الحلم,
تفتحت أبواب الأمل لتشارك جامعات أولم و مانهايم و توبنجن وولاية بادن فورتمبرج والهيئة الألمانية للتبادل العلمي
والسفارة الألمانية والغرفة الألمانية العربية للصناعة والتجارة ووزارة التعليم والبحث العلمي بألمانيا ويصنعوا معا
ملحمة التعليم الألماني العابر للحدود.
التغيير الذي حدث هناك أستدعي العديد من الخطوات التابعة, لتهيئة المناخ لاستيعاب التجربة الجديدة وتوفير كافة
السبل لنجاحها فكما قال د. منصور.. التجربة دعت جامعة أولم لعمل أول مكتب للطلاب الأجانب عام 1992 ودعي
هيئة DAAD لعمل أول مشروع تعليم ألماني عابر للحدود, ودعي ولاية بادن فورتمبرج لعمل تغيير قانوني بالسماح
بعمل الماجيستير والدكتوراه, حتي السفارة المصرية خصصت مسئول من أجل برامج الجامعة في ألمانيا وتسهيل
السفر, نتحدث عن 20 الف خريج منهم من حصل علي الماجيستير والدكتوراه وتقلدوا أكبر المناصب في كل دول
العالم, وساهموا في البحث العلمي, وقصص نجاحهم ملء السمع والبصر, ناهيكم عن مشروع الهوية البصرية الذي
انطلق من الألمانية بالقاهرة ليصدر الرئيس عبد الفتاح السيسي تكليفا للجامعة بعمل هوية مصر البصرية بالتعاون
مع الهيئة الهندسية لقواتنا المسلحة.
بوابات الأمل التي تم إهداء أول نسخة رمزية منها لجامعة أولم في الاحتفال بمرور15 عاما, علي إنشاء الجامعة
الألمانية بالقاهرة, والنسخة الثانية اهدأ لهيئة DAAD في العاصمة القديمة بمبني مجمع العلوم في بون, تجعلنا
نفكر جديا في بوابات أمل حقيقية للتعليم المصري الذي يستحق أن يعبر من نفقة المظلم ليستعيد مكانته التي
يستحقها.
مصر صاحبة الأيادي البيضاء علي العالم أجمع فهي أول دولة في العالم لها تاريخ مكتوب وموثق, فهي أول من عرف
مبادئ الكتابة وهي من ابتدعت الحروف والعلامات الهيروغليفية, المصريون أول من سجل تاريخهم والأحداث التي
مرت بهم وإنجازاتهم والقوانين التي تحكمهم, ولهذا لقبت بأم الحضارات وحاضنة الحضارات الفرعونية والإغريقية
والرومانية والقبطية والإسلامية, فلا اقل من أن تتفتح من أجل أبنائها أبواب الأمل.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.