لانهيار العقارات في مصر ألف سبب وسبب ، وتختلف الأسباب باختلاف طبيعة العقار المنهار .. جديد أو قديم .. في منطقة عشوائية أو في منطقة مخططة .. عقار متعدد الطوابق لمالك واحد مؤجر لسكان بإيجارات قديمة أو عقار متعدد الطوابق لملاك حائزين لوحداته .. وهكذا لكل طبيعة عقار أسباب انهياره !
وبدون شك نعلم جميعا هذه الأسباب رغم تنوعها واختلافها ، وندرك أيضا أن هذه الأسباب تشكل جرائم يطلق عليها .. جرائم الغفلة والتغافل والاستغفال .. كلها تؤدي إلي نتيجة واحدة هي الموت أو الإصابة بعاهات مستديمة وعجز كلي أو جزئي ، وضياع ثروات الناس مهما كانت قليلة أو كبيرة !
مع كل كارثة انهيار عقار وسقوط ضحايا ومصابين يسقط حجر في بحيرة الفساد الراكدة ، يحرك بعضا من مياهها الآسنة لمدة يوم أو يومين حتي تنتهي مراسم دفن جثث الضحايا ورفع أنقاض العقار المنهار ، وتجري علي ألسنة بعض المسئولين في المحليات أو المحافظة التي بها العقار المنهار بعض التصريحات المقولبة التي فقدت معناها ولا ينتج غير مجرد التصريح !
وينتهي الأمر لتعود الحياة إلي سيرتها الأولي ، وربما يظل الحديث دائرا بعض الوقت في ردهات وغرف لجان البرلمان في جدل عقيم حول قوانين خاصة بالبناء أو علاقة المالك بالمستأجر أو بقوانين المحليات ، وسلطة الرقابة ، ومواجهة الفساد ، وغير ذلك من العناوين التي تفقد أثرها بانتهاء قولها
عقار عمارة الظاهر الذي انهار صباح يوم الجمعة الماضي لم يكن كاشفا فقط لفساد وتقصير المحليات ، أو سوء النية والقصد من مالك العقار ، أو قلة حيلة السكان الذين يعيشون تحت ظل شبح الموت .. لكنه مجرد حلقة في سلسلة طويلة لانهيار عقارات لنفس الأسباب السابقة والتي يعد كل سببا منها جريمة في حد ذاتها !
إحصاءات رسمية تقول إن هناك ما يقرب من 100 ألف عقار آيل للسقوط في مصر ، ومع ما يمثله هذا العدد من خطورة، لا توجد إجراءات صارمة ضد أصحاب هذه المباني لترميمها أو إعادة بنائها، للحيلولة دون سقوطها فوق رؤوس ساكنيها في كثير من الأحيان ، كما لايمكن تحديد مسئولية انهيار أي عقار بشكل محدد وقاطع !
فمنها من يكون المسئول عن سقوطه فساد موظف الحي الذي يمنح تراخيص مقابل رشوة ، ومنها من يكون بسبب غض المسئول الطرف عن مخالفات تستوجب الحساب والعقاب ، ومنها من يكون قد نظر بأم عينيه للمخالفة وهي تعلو لكنه لا يراها متعمدا ، ومنها من صدر له أمر بالترميم والإصلاح ورفض مالك العقار إجراء عمليات الترميم رغبة منه في أن ينهار العقار ليعيد البناء ويستفيد سواء ببيع وحداته تمليك أو تأجيره بمبالغ كبيرة في مقابل رشوة لموظف الحي ليمارس الصمت الطويل حتي تقع الكارثة !
لا يوجد حصر دقيق لعدد العقارات التي تنهار ، ولا يوجد حصر دقيق أيضا لعدد الوفيات والمصابين الذين يسقطون ضحايا هذا الانهيار ، ولا يمكن علاج هذه القضية بالطريقة التي نعالجها بها الآن .. الذي يحدث هو علاج عرض لمرض ، وكل حالة بحالة وينتهي الأمر بعد دفن الضحايا وزيارة مواساة للمصابين مع دعوات بالشفاء لهم ، ونادرا ما يتم تسكين من لا مأوي لهم !
القضية تحتاج تشريع صارم يعاقب بالحد الأقصي للعقوبة – إذا تسبب الانهيار في سقوط ضحايا – كل من يشارك في فساد يؤدي إلي سقوط عقار – ولو بعد حين – سواء كان هذا الفاسد موظفا في المحليات أو مقاولا غش في مواد البناء أو مالك عقار رفض ترميم عقاره الآيل للسقوط بغية هدمه للاستفادة منه بشكل آخر دون مراعاة مصالح سكان العقار ، ويعاقب كل من تستر علي وجود خلل أو عوار بالعقار ولم يبلغ عنه في حينه !
وعلي الجانب الآخر لا يمكن أن يركن المسئولون في الأحياء إلي مجرد إصدار أوامر بالترميم أو الإزالة دون متابعة وإرادة في التنفيذ ولو بالقوة ، وعندما تقع الكارثة نشاهد مواكب المسئولين أمام الكاميرات ونسمع تصريحات لا معني لها تدين من يصرح بها مثل ” هذا العقار كاااان قد صدر له أمر إزالة أو أمر ترميم ، ولم يلتزم مالك العقار بتنفيذه ” ثم يأمر المحافظ أو المسئول بتشكيل لجنة للبحث بعد أن تكون وقعت الكارثة ! ولا يمكن أن يستمر بعض نواب البرلمان في كسب أصوات الناخبين بتسهيل إجراءات تخالف القانون في البناء وتعطل تصاريح الترميم وأوامر الإزالة !
انهيار عقار الوايلي لن يكون الأخير ، وربما ونحن نقرأ تنهار عقارات لنفس الأسباب ، ونحن نقف محلك سر !
الثروة العقارية تحتاج إلي قانون رادع يحميها ويحمي أرواح الناس ويخرجنا من دائرة الفساد بكل صوره .. لأن الفساد هو ” القاتل ” مع سبق الإصرار والترصد !