اللواء دكتور سمير فرج يكتب : هل تحولت الحرب الروسية الأوكرانية إلى حرب بين روسيا والناتو ؟

اللواء دكتور سمير فرج
يوم أن بدأت روسيا هجومها العسكري، على أوكرانيا، في الرابع والعشرين من فبراير الماضي، صنفها العالم أنها حرب محدودة، أي بين دولتين، فقط، خاصة وأن الولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو أعلنا عدم اشتراكهم في تلك الحرب. كان هجوم روسيا، على أوكرانيا، قد بدأ بعد إعلان الأخيرة نيتها للانضمام لحلف الناتو.
واليوم، بينما توشك الحرب أن تقضي شهرها الرابع، وبعدما تمكنت روسيا من الاستيلاء على 20% من الأراضي الأوكرانية، طبقاً لما أعلنه الرئيس الأوكراني زيلينسكي، بدأت دول حلف الناتو، والولايات المتحدة الأمريكية، تدعيم أوكرانيا بالأسلحة، فأعلنت أمريكا، في الأسبوع الماضي، إمداد أوكرانيا بأربع منظومات من الصاروخ “هيمارس”، (HIMARS)، أو High Mobility Artillery Rocket System ، وهي أحدث المنظومات الصاروخية، في العالم، القادرة على إطلاق ستة صواريخ، من عيار 227مم، في المرة الواحدة، ويصل مداها حتى 79كم، ويمكن نقل هذا النظام بواسطة الطائرة C-130، التي يمكنها الهبوط في المناطق الوعرة، إلا أن أمريكا قد حذرت أوكرانيا من استخدام هذا النظام لضرب العمق الروسي.
كانت الولايات المتحدة الأمريكية قد أقرت، من قبل، مساعدات عسكرية إضافية، لأوكرانيا، بقيمة 20 مليار دولار، وتلتها، حينها، المملكة المتحدة بتقديم دعم عسكري، بقيمة 1,3 مليار جنية استرليني، منهم 300 مليون جنية إسترليني في صورة معدات عسكرية، تشمل أنظمة رادار، وأجهزة تشويش، ومعدات رؤية ليلية، فضلاً عما أرسلته بريطانيا، سابقاً، من خمسة آلاف صاروخ مضاد للدبابات. وفي الأسبوع الماضي، أعلنت تزويد أوكرانيا بأنظمة صواريخ متعددة الأهداف، بمدى يصل إلى 80كم، وتعرف تلك المنظومة باسم M270، كما أعلنت ألمانيا أنها ستزود أوكرانيا بألف قاذفة صواريخ مضادة للدبابات، و500 صاروخ أرض جو، كما قررت إسبانيا تزويد أوكرانيا بصواريخ مضادة للطائرات.
كما شهدت تلك الشهور القليلة مفاجأة إعلان كل من فنلندا والسويد طلبهما الانضمام لحلف الناتو، وهو ما يعني أن يصبح لروسيا حدود مع الناتو لمسافة 1300كم، وهو ما مثل صدمة للقيادة الروسية ما جعلها تصب تركيز قواتها على سرعة احتلال إقليم دونباس شرق أوكرانيا لاستكمال السيطرة على باقي أراضي الجمهوريتان الانفصاليتان. وفي رأيي أن أحد نتائج تلك الحرب كان زيادة عدد الدول الأعضاء في حلف الناتو، لتصبح 32 دولة، ورغم طلب فنلندا الانضمام لحلف الناتو، لضمان حماية أراضيها ضد أي غزو روسي محتمل، إلا أنها ستكون، في تقديري، من الذكاء بأن تشترط عدم وجود قواعد عسكرية أو أسلحة لحلف الناتو على أراضيها، وهو ما قد يرضي القيادة الروسية، مؤقتاً، أو، على أقل تقدير، لا يثيرها في الوقت الحالي.
وبعد نجاح روسيا في الاستيلاء على ماريوبول، أصبح بحر آزوف تحت سيطرتها، لذلك من المنتظر أن تتقدم القوات الروسية لاحتلال مدينة أوديسا، لتكون، بذلك، قد سيطرت على البحر الأسود، فتحرم أوكرانيا من أي موانئ لها، وتحولها لدولة لاشاطئية، وبعدها قد تحول هجومها، مرة أخرى، في اتجاه العاصمة كييف، لإسقاط النظام، في حالة رفضه الدخول في مفاوضات سياسية، والتي تعتزم روسيا، من خلالها، انتزاع خمسة تعهدات من أوكرانيا؛ أولها إعلان أنها دولة حيادية، ثانيها التعهد بعدم الانضمام لحلف الناتو، أو أي حلف عسكري آخر، وثالثاً الاعتراف بتبعية شبه جزيرة القرم إلى روسيا، ورابعاً الاعتراف باستقلال الجمهوريتان لوغانسيك ودونتيسك، وخامساً عدم تحولها إلى دولة نووية.
وعلى المستوى الاقتصادي، ورغم محاولات الغرب منع دول الاتحاد الأوروبي من استيراد الغاز الطبيعي من روسيا،
إلا أن المحاولات فشلت، واستمرت دول أوروبا في استيراد الغاز الروسي، حتى الآن، ورغم الإعلان، مؤخراً، بأن دول
الاتحاد الأوروبي سوف تتوقف عن استيراده، مع بدايات العام القادم، إلا أنني أشك في الوفاء بذلك التعهد، لاعتبارات
عديدة، منها أن استيراد غاز طبيعي من دول غير روسيا، يستلزم استيراده في صورته المسالة، أو LNG، وهذا
يتطلب محطات إسالة للدول الأوروبية، الأمر الذي يحتاج لأكثر من عام لإنشائها. ورغم القيود المالية التي فرضتها
أمريكا وبريطانيا على روسيا، إلا أنها جاءت بنتائج عكسية، بتحقيق العملة الروسية، الروبل، لزيادة، بعدما قرر بوتين
تحصيل ثمن شراء الغاز الروسي بالروبل، بدلاً عن الدولار، وصارت البنوك الروسية تستقبل ثمن الغاز الطبيعي من
دول أوروبا، رغم إعلان أمريكا ايقاف التحويلات البنكية بنظام السويفت، وهو القرار الذي لم يُنفذ، حتى الآن، مما
جعل العقوبات الاقتصادية الأمريكية والغربية ضد روسيا غير مؤثرة على الاقتصاد الروسي.
وهنا يتبادر للأذهان سؤال؛ هل انتصرت روسيا في حربها، حتى الآن، ضد أوكرانيا؟ وتكون الإجابة، البديهية،
بالإيجاب، فقد حققت الهدف الأساسي من الحرب، وهو منع أوكرانيا من الانضمام لحلف الناتو، وإعلانها دولة
محايدة، كما أقر وأعلن الرئيس الأوكراني زيلينسكي، بعد شهرين من القتال، فضلاً عما حققته من قدرة على
التصدي للعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها من الغرب. ورغم ذلك، تحاول الولايات المتحدة الأمريكية، ودول حلف
الناتو، إطالة أمد الحرب، لاستنزاف الاقتصاد الروسي، وبالتالي إضعاف روسيا، وإخضاعها، وهو ما أظنه غير خافٍ
على الرئيس بوتين، الذي يسابق الزمن للاستيلاء على أوديسا، تمهيداً للدخول في مفاوضات مباشرة مع أوكرانيا،
لإنهاء الحرب خلال الشهرين القادمين.
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.