أكثر من خمسين عاماً ضاعت من عمر الشعب المصري، عندما أهملت الدولة مشروعات التنمية، وأدى تحالف رأس المال مع السياسة، في العهود السابقة إلى تعطل أي مشروع قومي، من شأنه أن يستوعب الزيادة المضطردة في عدد السكان، ومن ثم تحقيق شبه اكتفاء في احتياجات المواطن..
وذلك كان أخطر من إهدار المال العام، في صورته المباشرة، لأن ما حدث كتب على الجيلالحالي أن يدفع فاتورة ما أفسده السابقون، وصرنا نسابق الزمن للخروج من عنق أزمات طاحنة صارت تلاحقنا،
بسبب فيروس كورونا مرة، ومرة أخرى، الآثار المدمرة للحرب الروسية الأوكرانية على العالم، ونحن معه.
لقد أدى الإهمال، فيما سبق إلى الاعتداء على الرقعة الزراعية، بلا رحمة، فتقلصت مساحتها وقلت نواتجها عن احتياجات الدولة المصرية،
ونشأت العشوائيات التي أصبحت، فيما بعد، تحدياً مرهقاً للدولة لإخراج مواطنيها من الحياة غير الإنسانية في هذه العشوائيات إلى حياة كريمة وآمنة.. كل ذلك بتكاليف مالية غير مسبوقة، صارت تعد بالتريليونات..
وبدلاً من الزراعة حول النهر بمياة وفيرة، صرنا نلجأ إلى أعماق الصحراء، نستصلح الأرض للزراعة، عوضاً عن الضائعة بفعل فاعل، لكنا هناك واجهنا تحديات الطبيعة والتكاليف الباهظة،
بعد أن أعددنا بنية تحتية ضرورية، تخدم مناطق الزراعة الجديدة، من طرق وكباري وأنفاق ومحطات رفع مياه، وأخرى للكهرباء.. وهنا، قال الرئيس عبد الفتاح السيسي، في افتتاحه مشروع مستقبل مصر، لزراعة 2.2 مليون فدان، في الدلتا الجديدة،
إن (تكاليف هذه المشروعات أكبر بكثير من أى تكلفة فى أى مكان فى الدلتا القديمة؛ حيث إننا نستصلح فى عمق الصحراء، على عكس الشريط الموازى لنهر النيل،
والذى يتم زراعته بطريقة مختلفة، بانحدار طبيعى للمياه، على خلاف ما يجرى فى الصحراء.. حين ننظر للشريط الموازى للنيل، خلال السنوات الماضية، نرى أنه تم البناء عليه وتركنا الظهير الصحراوى الممتد على جوانب النيل، والذى يمكن أن نبنى فيه مدناً وحياة جديدة، ونحافظ على الأراضى الزراعية الموجودة بالفعل)..
إن كل إجراء لم ننفذه فيما مضى، وكل إجراء لم تلتفت الدولة له ـ ليس خلال السنة أو العشرة أوالعشرين سنة الماضية، ولكن على مدى أربعين أو خمسين سنة مضت ـندفع ثمنه حالياً.
ولذا، فإن إجراءات الدولة بحاجة إلى كثير من الفهم والدراسات، قبل الحكم على مدى نجاحها من عدمه، وهل تتوافق تلك الإجراءات مع التطورات التى تشهدها البلاد حالياً ومستقبلاً، خلال خمسين إلى مائة سنة أم لا؟..
(هناك من يتساءل: لماذا كل هذه التكاليف؟، خاصة ونحن نتحدث عن مبالغ مالية ضخمة، تصل إلى ما بين مائتين إلى ثلاثمائة ألف جنيه تكلفة لاستصلاح الفدان الواحد، بما يعنى أن تكلفة المليون فدان تصل إلى مائتين وخمسين مليار جنيه استناداً لتقديرات الأسعار قبل سنتين أو ثلاثة،
وبالطبع سترتفع هذه التكلفة حالياً).. فماذا سيكون عليه الوضع إذا لم نكن بدأنا بالفعل؟.
لقد طالب البعض بالتركيز على التعليم، بدلاً من إنفاق هذه الأموال الطائلة على مشروعات البنية الأساسية.. نعم، الأولوية للتعليم،وهى مسألة مهمة جداً، ولكن لم يكن من الممكن توجيه كل موارد الدولة على مدى خمسة عشر عاماً للتعليم فقط رغم أولويته،
لأن الناس لم تكن لتتحمل غياب الخدمات وضعف البنية التحتية، من كهرباء وطرق وعدم شق ترع وإقامة مشروعات للإنتاج الغذائى.. إن ما يتم إنجازه على مستوى الدولة، ليس قائماً على هوى شخصي، وإنما هو نتيجة عمل لجان من المتخصصين لوضع تصورات شاملة وتحقيق أهداف على أسس واضحة..
شهدت السنوات العشر الماضية زيادة سكانية تقدر بنحو عشرين مليون نسمة.. ما هى كم طلباتهم من السلع الأساسية؟.. وهل نمو الدولة وإنتاجها يكفى هذا؟. هناك من يقول نستورد من الخارج، ولكن الأزمة العالمية حالياًكانت كاشفة لسلبيات الاستيراد.
قال الرئيس السيسى (إن ما تم إنجازه فى مصر، خلال السنوات السبع الماضية، كان بتوفيق كبير من الله عز وجل).. المشروعات قبل تنفيذها عُرضت على لجنة، ضمت كبار أساتذة الجامعات ورجال الدولة الذين كانوا معنيين بهذا الأمر..
وعقب ذلك، تم وضع تصور متكامل للمشروع؛ ليتم تنفيذه وتحقيق أهدافه،لأنه من المستحيل البناء على خطوة لا يوجد لها أساس.. والرئيس دائماً ما يحب أن يستمع للآخرين،
وأن يكون مطلعاً ومتابعاً.. و(البيانات متوفرة ومتواجدة على مواقع الحكومة وعلى موقع رئاسة الجمهورية بالتفصيل).. مبيناً أنه من المهم أن يتم عمل سياق للموضوع الذى ترغب فى تناوله..
إن (ما تم عمله من مشروعات تم تنفيذها، على الرغم من أننا دولة مستهدفة من الإرهاب والتطرف، وعناصر تتحدث بكلام لا يليق من الكذب والإفك.. لا ينبغى أن نكون جاحدين إزاء كرم الله علينا.. فالله مطلع علينا وسيحاسب الجميع).
ومع هذا، تتردد دعوات بإعادة ترتيب الأولويات.. أي أولويات يأفكون؟.. إننا لا نتحدث عن رفاهية، بل عن عناصر مهمة، لا يمكن أبداً عندما نتحدث فى بناء مشروع هام، مثل مستقبل مصر للإنتاج الزراعى،
وأيضاً الموجود فى توشكى، أن نترك الأولويات.. (نحن ننفق على عشرة ملايين فدان لتحسين مستوى معيشة الناس، وهو الأمر الذى لم يتم خلال السنوات الماضية، بتكلفة تصل إلى تريليون جنيه،
وبالتالى ما يتم إنفاقه ليس بالكثير من أجل الزراعة وإقامة شبكات كهرباء وطرق وتسوية الأرض ومد شبكات الرى والترع.. وما تم فى مصر خلال الخمسمائة سنة لزراعة أراضى الدلتا، نريد الآن أن نحققه فى أربع أو خمس سنوات فى الصحراء..
وبالتالى فإن ما يتم إنجازه هو أمر عظيم).. وقد راعت الدولة أن مثل هذا المشروع لا يتضمن بناء بيت واحد على الأراضى المزروعة، وعند اختيار عمل منشآت،
سيتم اختيار الأراضى غير الصالحة للزراعة لبناء تلك المنشآت عليها، مستفيدين من دروس الماضي،لأنه (نتيجة لممارسات الخمسين سنة الماضية، فإننا نضطر حالياً لاتخاذ مثل تلك الإجراءات لزيادة الإنتاج ليكفى النمو السكانى).
الرئيس أكد،أنه فى تحد لتلبية احتياجات الدولة والمواطنين، وأنه قادر بفضل الله على القيام بذلك.. هناك فجوة بين الزيادة السكانية المضطردة ومعدلات النمو الاقتصادى الحالية،
لذلك تعمل الدولة على سد هذه الفجوة التى حصلت جراء النمو السكانى.. وقد وفرت هذه المشروعات التى تم تنفيذها فرص عمل..فمثلاً، تم اختيار محافظتى بنى سويف والمنيا لإقامة عدد من المشروعات فيهما،
لأنهما من أكثر المحافظات احتياجاً لفرص العمل، والهدف ليس تلبية احتياجات غذائية فقط، ولكن توفير فرص عمل، ولا سيما من خلال التصنيع الزراعى لتعظيم القيمة المضافة.
كل شيئ مدروس بعناية، وبدراسات جدوى وافية، توضح مكامن السلب والإيجاب في تنفيذه ونتائجه.. فالصوب الزراعية لا تسهم فقط فى زيادة إنتاجية الفدان،
وإنما تقلل من استهلاك مياه الرى، حتى بالمقارنة مع التى تروى بوسائل الرى الحديثة، بأكثر من 50 إلى 60%.. و(إذا كان البعض يرى أن مليون جنيه أو أكثر، تكلفة عالية لإنشاء صوب فى الفدان الواحد، بخلاف تكلفة البنية الأساسية من كهرباء وطرق وغيرها،
بما يعنى أن تكلفة 16 ألف فدان تبلغ 16 مليار جنيه حديد فقط للصوب، فإن كمية المياه المستخدمة لرى هذه المساحة من الصوب بكاملها، تعادل كمية المياه المطلوبة لزراعة أربعة آلاف أو خمسة آلاف فدان من الأراضى التى تروى بالري الحديث).
وبعد.. فإن الرئيس السيسي لم ينس أن يؤكد أن(كل مسئول فى الدولة يتم الإساءة إليه ولعمله كذباً، فإن ما يتعرض له يعد بمثابة صدقة جارية له، لأن أعراض الناس يُساء إليها، ومن يعمل طيباً أجره على الله،
ومن يعمل سوءًا فحسابه على الله.. مصداقاً لقول الله سبحانه وتعالى: ﴿فمن يعمل مثقال ذرة خَيْرًا يره ومن يعمل مثقال ذرة شَرًّا يره﴾..)، وذلك يكفي.