أزاح الستائر الثقيلة عن باب الشرفة وفتح الباب فاندفع ضوء الشمس مقتحما الغرفة وظهر البحر الممتد بلونه الأزرق ،والأزرق المائل للاخضرار والشاطئ الرملى وبعض الأطفال يلهون فوق الماء وزبد البحر،
التفت إلى داخل الحجرة .. كان هناك بعض أوراق متناثرة فوق منضدة قديمة عليها مفرش رخيص وبعض أقلام وأوراق كثيرة ملأى بكلمات ، وسطور شطب بعضها وترك الغالبية
وعلى الأريكة المواجهة للشرفة جلس صديقه يحدق فيه بغيظ ،فاشاح بوجهه عنه وعاد يرنو إلى البحر ويتابع طيور النورس . جذبه من قلب هذا العالم الجميل سؤال صديقه الذى فاجأه قائلا :
انا من رأيى انك تكتفى من هذا العمل وتنصرف إلى كتابة عمل آخر؟
لم يرد عليه فى البداية ثم تجاهل سؤاله وقال له :
ماذا إذا استكملنا الرواية ؟
عندى فكرة
قال صديقه
.اتفضل
بس يكون فى علمك المسألة طولت قوى وعندنا أعمال أخرى يجب الإهتمام بها .
قال : أنظر .. الأزمة عند السلطان فى الرواية انه حاسس بالملل ويحتاج شيئا خارج عن العادة يجعله أكثر شغفا وأكثر احساسا بالاثارة .
اكتب عندك. : خرج السلطان فى موكبه الزاهى يحيط به الحرس والخدم والحاشية والوزراء ورئيسهم خلفه متجهين إلى مدينة الإسكندرية .
كان مهموما ومغموما يبحث عن مغامرة جديدة فقرر أن يذهب للبحر لعل النسيم العليل والبحر بامتداده يأتيان بشئ جديد .
وبعد أن أقاموا المقام على الشاطئ .جلس متكئا فاردا قدميه فى مواجهة البحر مداعبا رماله البيضاء اللامعة بضوء الشمس ثم أخذته سنة من نوم رأى فيها حلما اسعده فاستيقظ باسما وأمر بحضور رئيس وزرائه .
بين يدى السلطان وقف شبه منحن مطأطئا الرأس يهمس :
أوامر مولاي ؟
أمره السلطان بالجلوس .وقال :
انظر لقد أوحى الله لى بفكرة رائعة .
رد رئيس الوزراء .. مولاي السلطان كل افكارة سماوية اختص بها الله مولاي دون غيره حبا فى الوطن المقدس وسلطانه الملهم .
شوف :
انا قررت أن أعطى للرعية شيئا من الحرية لزوم المرحلة .
ونعم الرأى السديد يامولاى .
انا قررت الآتى اكتب عندك :
يتولى رئيس الحرس أمور البيمارستان والطب والدواء ويتولى البيطار حكم الشرطة والعسكر، ويتولى العلاقات مع الممالك الأخرى الدهان ، وشئون النهر الجزار .
ايه رأيك ؟
.ونعم الرأى يامولاى كمان ممكن البناء يتولى أمور الغذاء والدعم الذى تقدمه للفقراء .
قال السلطان :
لا هذا يكفى دعنا أولا نجرب .
نجرب يامولاى .. نعم الرأى السديد يامولاى سأنفذ يامولاى قالها وهو يتراجع إلى الخلف وهو منحن مطأطأ الرأس ويضع يديه فوق رأسه .
بعد أن نفذ رئيس الوزراء القرار .مات السلطان فى الصباح .وبعد أن أقيمت له جنازة كبيره لم يمش فيها أحد سوى رئيس الوزراء ووزرائه. وسدوه التراب ووقف رئيس الوزراء حائرا .. كيف سيدير شئون السلطنة بهؤلاء الوزراء .؟
فخطرت له فكره .
حينئذ اقتحم الغرفة كثير من الرجال الغلاظ فنشأ تيار هواء شديد بين باب الغرفة وباب الشرفة أدى إلى تطاير الأوراق فى الهواء وتساقطها فى ماء البحر .
بعد هذة الحادثة بستين عاما تقريبا كتب أحد الأدباء النقاد فى عموده اليومى بإحدى الصحف:
(ومن يومها ظلت السلطنة يحكمها الوزير البيطار والوزير الجزار ووزراء جاءوا ورحلوا وهم لايعلمون من أمرهم شيئا ولا من أمر السلطنة سوى تنفيذ أوامر السلطان. .
وبقيت الرواية معلقة بين السماء والبحر يعلم عنها طيور النورس وماء البحر والرمال الناعمة اللامعة بضوء الشمس وبعض الرجال الصم خلف الجدران العالية)