منذ أيام نشرت صحيفة دير شبيجل الألمانية تحقيقا حول المستشار الألماني الأسبق جيرهارد شرودر الذي خدم ألمانيا لولايتين ما بين 1988 وحتي 2005
التحقيق الصحفي يقول أن شرودر مهدد بتجريده من امتيازاته كمستشار سابق لألمانيا وشطبه من الحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي ينتمي إليه ويرأسه المستشار الحالي أولاف شولتس ،
والسبب ليس لأنه مارس الفساد السياسي أثناء ولايته ، أو سرق ، أو تمتع بامتياز ليس من حقه ، أو تستر علي فساد وقع من أحد أفراد عائلته ، أو منح امتيازا لصديق أو مقرب منه ، أو تهرب من دفع ضرائبه المستحقة عليه للدولة !
لكن السبب هو تلك الانتقادات التي تم توجيهها إليه داخل وخارج حزبه لأنه حذر – في تصريحات له – أوكرانيا من استعراض قوتها أمام روسيا عنما بدأت الحرب الروسية الأوكرانية قبل 4 أشهر
الصحيفة الألمانية كتبت تحت عنوان ” شرودر عبء على السياسة الخارجية الألمانية وعلى حزبه السابق ولديه أهداف واضحة.. لا لبلاده بل لنفسه “
لذلك تستعد الحكومة الائتلافية في ألمانيا للمضي قدمًا في خطة لتجريد المستشار الديمقراطي الاشتراكي الأسبق جيرهارد شرودر من امتيازات منصبه
بعد رفضه قطع علاقاته التجارية والسياسية مع روسيا، وصداقته الشخصية مع الرئيس فلاديمير بوتين، ودفاعه عنه في التحرك العسكرى ضد أوكرانيا
تداعيات أزمة شرودر لم تتوقف عند هذا الحد لكنها تتطور إلي الحد من حرمانه من معاشه التقاعدي الذي يصل إلي 100 ألف يورو سنويا بالإضافة إلي امتيازات مالية تصل إلي نصف مليون يورو سنويا بموجب قانون يتم بحثه ولا يتعارض مع قانون المعاشات التقاعدية المعمول به ..
( ليس هناك مجال للحديث عن حرية الرأي والتعبير أو حقوق الإنسان .. والرجل هو من هو ! )
وقبل أن يتبادر السؤال إلي ذهن القارئ العزيز .. وما علاقة ماسبق بعنوان المقال “الحوار الوطني وضبط المفاهيم ” ؟ أجيب ..
الخبر وثيق الصلة بالحوار الوطني الذي يجري الإعداد له هذه الأيام ويدور حوله كثير من الجدل وتتشابك وتتقاطع معه كثير من الأهداف والنوايا الطيبة وغير الطيبة
ولهذا كان من الضروري التأكيد علي بعض المبادئ والثوابت منها علي سبيل الحصر
– الوطن ليس وجهة نظر ، وليس محل مزايدة أو مبارزة أو احتكار
– الأمن القومي للوطن لا يخضع لعميات التجريب والمغامرة ، ولا يكون رهنا بدعاوي حرية الرأي والتعبير دون الالتفات إلي خطورة تداعيات هذا الرأي علي الوطن
– معارك الوطن الخارجية وعلاقاتها بالدول الصديقة وغير الصديقة تلزم الجميع بالاصطفاف خلف الدولة والالتزام بسياستها الخارجية ومواقفها تجاه أطراف الأزمات الدولية
ما يجري للمستشار شرودر هو بسبب خرقه لقواعد الأمن القومي الألماني وتغريده خارج السرب بتصريح يتعارض مع سياسة ألمانيا وموقفها من الحرب الروسية – الأوكرانية التي تتخذ فيها موقفا موحدا مع سياسة الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو بدعم أوكرانيا ضد روسيا مهما كانت مصالح شرودر الشخصية ،
ومهما كانت علاقاته التجارية مع روسيا ، أو صداقته الشخصية بالرئيس بوتين .. مصلحة ألمانيا العليا والتزاماتها فوق كل اعتبار وفوق كل شخص أو مسئول !
ربما يمر الخبر علي الكثيرين مرور الكرام .. لكن الحقيقة هو يطرح الكثير من التساؤلات حول كثير من المفاهيم التي باتت مغلوطة وتحولت بفعل عدم ضبطها إلي ثوابت ..
فأصبح الوطن وجهة نظر لمن يريد أن يراه محطة ترانزيت ، أو خيمة يستريح فيها من شمس الظهيرة ، أو شقة مفروشة يتركها عندما يحقق غرضه منها !
وأصبح الأمن القومي للوطن مطاطا حسب وجهات النظر ومجرد كلمة يلوكها البعض بلا وعي أو فهم ليثبت للغير أنه من المهتمين بالشأن العام !
وكم من الجرائم والخطايا ترتكب في حق الوطن بسبب تلك المفاهيم المغلوطة ، وبسبب استخدام مصطلحات فقدت مضمونها بسبب الممارسات الخطأ لها !
المستشار الألماني الأسبق شرودر نموذج للحساب يبين كيف تتعامل الدول مع من يحاول – ولو باللفظ والتصريح – تعريض سياستها الخارجية للنقد أو التسبب في إرباكها أو تشويه مواقفها .
أعود للحوار الوطني وضرورة أن يقوم المشاركون في الحوار بتصحيح المفاهيم المغلوطة أولا ووضع مفاهيم محددة لوطن نختلف فيه ولا نختلف عليه ، ندعم الحفاظ علي أمنه القومي ونقويه حتي نستطيع مواجهة تحدياته والتغلب عليها .