فى شهر مايو من العام الماضى وتحت هذا العنوان ـ مستريح أمس واليوم ـ كتبت عن ظاهرة “
المستريح ” تزامنامع عودة أشرف السعد رجل الأعمال الهارب إلى لندن لمدة 25 عاما ،
والمستريح هو اللقب الذى درج الاعلام المصرى على وصف النصابين الذين يستولون على
أموال الناس به ، قديما كانت تسمى شركات توظيف الأموال ومنها ” السعد ـ الريان ـ بدر
للإستثمار ـ الشريف .. وغيرها “
أما اليوم أصبح الإسم الحركى لهم ” المستريح ” ويبدو أنهم كثر ، كما يبدو أننا سوف نسمع
قصص وحكايات وطرائف عن مستريحين جدد فى المستقبل القريب ، وعلى رأى المثل ” طالما
فى مغفلين فالنصابين بخير ” !! .
فترة الثمانينات كما ذكرت آنفا كانت فترة ركود إقتصادى إنخفضت فيها سعر الفائدة فى الجهاز
المصرفى وإرتفعت أسعار الذهب ،
وشهدت سوق العقارات ركودا شديدا ، وكانت فترة إزدها لـ شركات توظيف الأموال فى مصر ، وما يسمى ب “
الإقتصاد الإسلامى ” و ” البنوك الإسلامية ” .. إلخ .
ومع تنامى شركات توظيف الأموال فى تلك الفترة وما تلاها سألت أخى الأكبر ” رحمه الله ” عن حقيقة تلك
الشركات وماتقدمه من فؤائد ،
فأكد لى أنها ” زوبعة ” فى فنجان وسرعان ماتزول ، لأن الأرباح التى تقدمها تلك الشركات والتى تتجاوز الـ 40%
لابد وأن تكون من أنشطة غير مشروعة مثل تجاره السلاج والمخدرات أو المضاربة فى البورصات العالمية ، وكلها
أنشطه غير مستقرة .. إلخ
وأنا أعتقد أن أصحاب هذه الشركات بلغة عصرنا كانوا ” مستريح ” زمانهم لأنهم ببساطة إستطاعوا أن يوهموا عدد
كبير من الناس أن يستثمروا أموالهم وإغروهم بالعوائد الشهرية والسنوية المبالغ فيها ، وإعطوا لهم وعودا براقة
سرعان ماتبخرت ،
ورغم ذلك ظل السؤال المحير : لماذا يلجأ الناس حتى يومنا هذا إلى إيداع أموالهم وتحويشة عمرهم لدى أشخاص
يبيعوا لهم الوهم بحجة توظيفها وتقديم أرباح يسيل لها اللعاب بعيدا عن أعين الدولة والبنوك ؟
هناك إجابة واحدة هى ” الطمع ” ، فالطمع هو الذى يجعل الإنسان يفقد كل شىء لأن الطماع يبحث دائما
عن المزيد من كل شىء ، منحيا عقله جانبا ، وهو فى الغالب ينتهى به الأمر إلى خسارة كل شىء !!
وأضف غلى ماتقدم ” الجهل ” كان القاسم المشترك لدى كل من تم النصب عليهم ، هؤلاء كانوا ضحية الجهل
والأفكار المغلوطة كون فوائد البنوك ربا وحرام .. إلخ .
والمصيبة أن هذا الأمر لم يقف عن حد من لم ينل قسطا من التعليم ، بل إمتد للمتعلمين وتلك مصيبة أكبر !! .
على أرض الواقع أنا لا أتعاطف أبدا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء ، وأتذكر لقاء على إحدى الفضائيات شاهدته مصادفة
كان مقدم البرنامج يستضيف مع مجموعة أبناء الجنوب تقريبا من محافظة سوهاج ،
وكان مضحوك عليهم فى عدة ملايين فى إحدى القضايا الشهيرة منذ عام تقريبا ، الطريف فى الأمر أنك لو نظرت
إلى هيئة أحدهم وللوهلة الأولى تكاد أن تجزم أنه مايعرفش يعد ألف جنيه ، فمن أين له بكل هذه الملايين ؟
وأنا لا أذيع سرا إن قلت أن الصعيد والبيئات التى لم تنل حظا وافرا فى التنمية تعج بزراعة وتجارة الخشخاش
والنباتات المخدرة والسلاح والأراضى ومؤخرا الآثار ،
وهو السبب فى كل الملايين التى تجرى بين أيدى هؤلاء البسطاء ، والتى تضيع كما أتت لأنها ببساطة شديدة
فلوس أتت من حرام ومفيش حد تعب عليها ،
وقد تكون القلة القليلة منهم هى التى فقدت تحويشة العمر من قبيل التجربة ، لكن أأكد أن أكثرهم ضيع ” الطمع “
ماجمعه من مال حرام .
أما الفرق بين مستريخ الأمس واليوم ، مستريحوا الأمس إستولوا على تحويشة العمر من الناس البسطاء ، لخلل
ما فى النظام المصرفى وفى السياسة النقدية للدولة ،
أما مستريحوا اليوم ، فقد إستغلوا الجهل والطمع لدى الناس وأوهموهم بالعوائد المغرية وسرعان ماظهرت
حقيقتهم، وأرجو ان تتذكروا دوما المثل القائل : طالما فى مغفلين فالنصابين بخير .