الإعلامي محمود عبد السلام يكتب : بيان جمال

من حق جمال مبارك أن يلقى بيان يعلن فيه براءة أسرة مبارك من نهب أموال المصريين ،
ومن حق الناس أن تصدق او لا تصدق , الحقيقة الكاملة يعلمها الله ثم بعض المقربين من
العائلة التى حكمت مصر ٣٠ سنة ، فى أخر عشر سنوات كان يسبق اسم جمال (
سيادة الرئيس ) ، وكانت أرض مصر الطيبة تمهد بهمة ونشاط لتوريث الحكم رغم نفى
مبارك لذلك فى اكثر من خطاب رسمى لكن كل الشواهد الواقعية كانت تؤكد ذلك ؛ اكثر
من عارض توريث الحكم كان المشير طنطاوى رحمه الله عليه ومن بعده قوى سياسية
تشكلت مثل ( كفاية و ٦ ابريل والإخوان ) ، لكن لجنة السياسات والحزب الوطنى ورجل
الأعمال احمد عز نجحوا فى السيطرة على الحياة السياسية بالمحروسة، واستطاع عدداً كبيراً من المقربين من
جمال مبارك تحقيق ثروات طائلة ، كما ساعدهم قربهم من ابن الرئيس السابق فى الوصول الى مناصب عليا بمصر
، كما امتدت علاقات عائلة مبارك خارج القطر وكانت لهم صداقات عميقة خاصة بدول الخليج مما اتاح لهم فرص
لتكوين ثروات من اعمال مشتركة ، اما امريكا فقد زارها جمال ليستشف موقف الإدارة الأمريكية من موضوع التوريث
, القضاء برأ العائلة ( صحيح ) لكن ذلك ليس معناه ان ما حدث فى مبارك من فساد كان دربا من الخيال خاصة فى
سنوات عمره الأخيرة ، يقول رسولنا الكريم ( إنما أنا بشر ، وإنكم تختصمون إلىَّ ؛ ولعل بعضكم أن يكون ألحن
بحجته من من بعض ؛ فأقضى له بنحو ما أسمع فمن قضيت له بحق اخيه فانما أقطع له قطعة من النار )
المحامين الكبار يستطيعون ان يبرأوا القاتل او تاجر المخدرات او المعتدى على أعراض الناس بإيجاد ثغرات قانونية
دقيقة تخرجهم من القضايا كما تخرج الشعرة من العجين ويتلقون فى المقابل اموالاً طائلة ، والجميع يعلم ايضاً ان
من بين المحامين الكبار الذى له صلات وثيقة بالقضاه ، نعم هذه حقائق للأسف ، الغالبية من رجال القضاء على
مستوى العالم شرفاء لكن هناك قله فاسدة تغريها الأموال الكثيرة ، المؤكد تاريخيا أن مبارك وعلاء وجمال والسيدة
سوزان مبارك كان لهم دوراً فى الحياة السياسية والاقتصادية بمصر ، وقد طال الفساد والظلم كل مناحى الحياة ،
وكلنا نعلم ان الحكومة كانت مقسمة فى اختيار وزرائها بينهم ، وكثير من رجال الأعمال قد اثروا نتيجة قربهم فقط
من هذه العائلة ، نهيك عن تزوير الانتخابات وتدجين الحياة السياسية بمصر وتحويل الأحزاب الى ديكور مكمل
للمشهد السياسى وليس ادل على ذلك من تزوير انتخابات ٢٠١٠ التى كانت سبباً رئيس لقيام ثورة يناير التى
مازلنا نعانى من آثارها حتى الآن ، أقل مايحاسب عليه الحاكم والمقربين منه هو ( ثرواتهم فقط ) الغير شريعية ، كل دول العالم الثالث يحدث فيها ذلك ومصر ايضاً للأسف ، اعتاد الناس أن يستفيد المسئول من منصبه هو وأولاده
وأقاربه ومعارفه واصبح ذلك عرفاً و قانوناً تم قبوله تحت ضغط القهر والكبت والديكتاتورية وقانون الطوارئ ، تماماً مثل
بقاء الحاكم فى منصبه مدى الحياه حتى لو هذا منافى للقانون او الدستور، فكلاهما تحت امر الحاكم يغير فيهما
كما يشاء ، الأخطر من سلب اموال الناس هو سلب حرياتهم بقوانين الطوارئ والحبس الاحتياطى الطويل والتعذيب
والقتل والاضطهاد ، الاخطر على الشعوب اهمال التعليم والصحة والثقافة ، الأخطر على الشعوب إعلام التسطيح
وغسيل العقول وحشو أفكار تافهه فى الرؤوس . الأخطر من تهريب الأموال إلى الخارج أن يصبح الوطن بلا هوية
يركض اهله خلف لقمة العيش ، للأسف كل ذلك حدث فى مصر على مدار ثلاثين سنة ، لا تشكيك على الاطلاق
فى وطنية مبارك وحفاظه على الثوابت الاستراتيجية لمصر لكن للأسف كان عهداً توقفت فيه مصر عن النمو
السياسي والاقتصادى وفقدت مصر ريادتها للمنطقة .
التعاطف من بعض الناس مع البيان ليس إلا ترحماً على زمن كانت الحياة أقل تكلفة مما عليه الآن ، الترحم على
عصر مبارك اشبه ببيت شعر لمحمود درويش يقول فيه ( يعشق القتيل وجه قاتله )
مبروك لآل مبارك البراءة بصرف النظر عن نزاهة الحكم او قربه من الحقيقة ، لكن البراءة فى ساحة التاريخ لا ينالها
إلا كل صادق وأمين كان مخلصاً لوطنه . التاريخ رغم محاولات تزويره الا ان له ذاكرة عصية على النسيان ويسجل كل
كبيرة وصغيرة بدقة متناهية لكنه يملك حكمة مكان عرض الحقائق وتوقيتها .