تقترب الحرب الروسية ـ الأوكرانية من إكتمال شهرها الثالث، ولم يعرف الجميع متى تنتهي هذه الحرب، وسط تباطؤ في إحراز العمليات العسكرية الروسية على الأراضي الأوكرانية تقدمها الذي كان متوقعاً، بالنظر إلى الفروق الواسعة التي بين الجيشين المتحاربين، لصالح موسكو.. فما السبب وراء ذلك؟
تقرير كتبه ثلاثة من كبار المحللين العسكريين، نشروه في صحيفة (وول ستريت جورنال)، هم: جوليان بارنز مراسل الأمن القومي، هيلين كوبر مراسلة البنتاجون، وإريك شميت،الكاتب الذي سافر حول العالم لتغطية الإرهاب والأمن القومي، وكان أيضاً مراسلاًللبنتاجون.. قالوا إن المخابرات الأمريكية ساعدت القوات الأوكرانية، على نطاق واسع، على إحباط محاولات القوات الروسية للسيطرة على العاصمة كييف.. ساعد عملاء استخبارات في واشنطن الجيش الأوكراني على وقف تقدم القوات الروسية، من خلال تبادل معلومات استخبارية مفصلة، تضمنت معلومات تتعلق بالوقت والمكان المحددين لاستهداف القنابل الروسية للعاصمة الأوكرانية كييف.. وصدت الولايات المتحدة جهود موسكو لحصار كييف، من خلال تنبيه القوات الأوكرانية إلى أين ستضرب الصواريخ الروسية.. وكشف تقرير نشرته شبكة (إن بي سي) أن (المعلومات الاستخباراتية دفعت أوكرانيا إلى إسقاط طائرة روسية، كانت تقل مئات الجنود إلى مطار هوستوميل، في ضواحي كييف في الأيام الأولى من الحرب).
وبسبب عملية تبادل المعلومات غير المسبوقة التي قامت بها الولايات المتحدة، تمكنت أوكرانيا من إحباط بعض العمليات القتالية لموسكو، حيث كشف عملاء أمريكيون عن إحداثيات القوات والطائرات الروسية للقوات المسلحة الأوكرانية.. وقال التقرير إن هذا سمح للجنود الأوكرانيين باستباق الهجمات.. ولم تساعد الاستخبارات الأمريكية القوات الأوكرانية على استهداف الطائرات الروسية فحسب، بل ساعدت أيضاً على حماية طائراتها الخاصة من الضربات الروسية..لقد كان تبادل المعلومات مع أوكرانيا، غير العضو في حلف شمال الأطلسي، أمراً حاسماً للمقاومة الشديدة في كييف.. وجاء في تقرير شبكة (إن بي سي)، أن (المساعدة الأمريكية منعت روسيا من الهيمنة على سماء أوكرانيا..لقد واجهت الاستخبارات التفوق العسكري الروسي).
كما وفرت وكالة المخابرات المركزية وسائل كثيرةلحماية الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، الذي كان هدفاً رئيسياً للقوات الروسية.. ونسقت وكالات التجسس الأمريكية مع المسئولين الأوكرانيين حول (أفضل السبل لتنقلاتهـ أي زيلينسكي ـفي أنحاء كييف، بحيث أصبح لا يمكن تحديد مكانه، مع بقية سلسلة قيادته)، وقد أدلى مجلس الأمن القومي بالبيت الأبيض،بتصريحات علنية، حول إحباط العمليات العسكرية الروسية (نحن نقدم بانتظام معلومات استخبارية مفصلة، وفي الوقت المناسب للأوكرانيين في ساحة المعركة، لمساعدتهم في الدفاع عن بلادهم ضد الروس، وسنواصل القيام بذلك).. وهكذا، لعب البنتاجون دوراً مهما في مساعدة أوكرانيا على إسقاط الطائرات الروسية ومحاولة ردع العمليات الروسية في أوكرانيا،(منذ البداية ، كنا نميل بشدة لمشاركة كل المعلومات الاستخباراتية الاستراتيجية القابلة للتنفيذ مع أوكرانيا).
ويعد تبادل المعلومات الاستخباراتية، جزءًا من تدفق متصاعد في المساعدات الأمريكية، يشمل الأسلحة والعدات الثقيل وعشرات المليارات من الدعم المالي، مما يدل على مدى سرعة تحول القيود الأمريكية المبكرة على دعم أوكرانيا، مع دخول الحرب مرحلة جديدة، يمكن أن تحدث على مدى أشهر قادمة.. وقد سعت الإدارة الأمريكية إلى إبقاء الكثير من المعلومات الاستخباراتية في ساحة المعركة سرية، خوفاً من أن ينظر إليها على أنها تصعيد واستفزاز للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين،يدفعه إلى شن حرب أوسع. ولم يصف المسئولون الأمريكيون كيف حصلوا على معلومات عن مقرات القوات الروسية، خوفاً من تعريض أساليب جمعها للخطر، ولكن طوال فترة الحرب، استخدمت وكالات الاستخبارات الأمريكية مجموعة متنوعة من المصادر، بما في ذلك الأقمار الصناعية السرية والتجارية، لتتبع تحركات القوات الروسية.. وذهب وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، إلى حد القول (نريد أن نرى روسيا تضعف إلى الحد الذي لا تستطيع معه القيام، مرة أخرى، بأنواع الأشياء التي فعلتها في غزو أوكرانيا).. بينما أقر جون كيربي، المتحدث باسم البنتاجون، بأن الولايات المتحدة تزود (أوكرانيا بمعلومات ومعلومات استخباراتية يمكنها استخدامها للدفاع عن نفسها).
بعد نشر تقرير (وول ستريت جورنال)، قالت أدريان واتسون، المتحدثة باسم مجلس الأمن القومي، إن المعلومات الاستخباراتية في ساحة المعركة لم يتم تقديمها إلى الأوكرانيين (بقصد قتل الجنرالات الروس)، ولم يتم تنفيذ جميع الضربات بالمخابرات الأمريكية، ولم تساعد في ضربة وقعت في موقع بشرق أوكرانيا، زاره الجنرال فاليري جيراسيموف، وهو أرفع ضابط روسي،لأن الولايات المتحدة تحظر على نفسها تقديم معلومات استخبارية عن كبار القادة الروس، لكن المخابرات الأمريكية كانت حاسمة في مقتل جنرالات آخرين.. فالولايات المتحدة تقدم بشكل روتيني، معلومات عن حركة القوات والمعدات الروسية، وتساعد أوكرانيا على تأكيد موقع الأهداف الحرجة، كما يقدم حلفاء آخرون في الناتو معلومات استخبارية في الوقت المناسب للجيش الأوكراني، كما تقوم إدارة بايدن بتوريد أسلحة جديدة، من شأنها تحسين قدرة أوكرانيا على استهداف كبار الضباط الروس، من بينها النسخة الأصغر من الطائرة بدون طيار Switchblade، التي تصل الآن إلى ساحة المعركة، لتحديد وقتل الجنود الأفراد، ويمكن أن تستهدف جنرالاً يجلس في سيارة أو يعطي أوامر على خط الجبهة، وهو ما أدى إلى سقوط إثنا عشر جنرالاً روسياً، حتى الآن.
واعترف مسئولون أمريكيون علناً، بأن الولايات المتحدة بدأت في إعطاء أوكرانيا معلومات استخبارية مؤكدة، في الفترة التي سبقت الغزو الروسي في 24 فبراير الماضي، أي قبل الغزو، على سبيل المثال..بموجبها، حذرت وكالات الاستخبارات الأمريكية من هجوم وشيك على مطار هوستوميل شمال كييف.. وقد سمح ذلك لأوكرانيا بتعزيز دفاعاتها، ولم تتمكن القوات الروسية المحمولة جواً من السيطرة على المطار.. وعلى الرغم من أن الإدارة الأمريكية لا تزال حذرة من تأجيج بوتين، لدرجة قد تدفع إلى أن يزيد من تصعيد هجماته، قال الرئيس الأمريكي، جو بايدن، إنه لن يرسل قوات أمريكية إلى أوكرانيا أو ينشئ منطقة حظر جوي هناك، لكن يجب النظر بعين القيمة، إلى أن أوكرانيا لديها وزن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي وراءها.
ويعتقد بعض المسئولين الأوروبيين، أنه على الرغم من خطاب بوتين، بأن روسيا تقاتل حلف شمال الأطلسي والغرب، فقد تم ردعه حتى الآن عن بدء حرب أوسع، لكن المسئولون الأمريكيون مازالوايناقشون: لماذا لم يفعل بوتين المزيد لتصعيد الصراع.. ويرون أن موسكو لديها حساباتها الخاصة التي يتعين عليها تقييمها، بما في ذلك ما إذا كان بإمكانها التعامل مع حرب أكبر، خاصة تلك التي من شأنها أن تسمح لحلف شمال الأطلسي باللجوء إلى ميثاق الدفاع المشترك أو الدخول في الحرب بشكل أكثر مباشرة.. (أننا نريد أن يعرف الروس، على مستوى ما، أننا نساعد الأوكرانيين إلى هذا الحد، وسنواصل القيام بذلك)، قالت إيفلين فاركاس، المسئولة العليا السابقة في وزارة الدفاع عن روسيا وأوكرانيا في إدارة أوباما، والمديرة التنفيذية حاليا لمعهد ماكين،وأكدت (سنمنحهم كل ما يحتاجونه للفوز، ولا نخشى رد فعل فلاديمير بوتين على ذلك.. لن يتم ردعنا ذاتياً).
ويظل تبادل المعلومات الاستخباراتية، شكلاً آمناً من أشكال المساعدة، لأنه غير مرئي، أو على الأقل، يمكن إنكاره.. وقال مسؤولون إن المخابرات الأمريكية أعطت معلومات سرية لأوكرانيا في مجموعة واسعة من المجالات، من تحركات القوات الروسية إلى بيانات الاستهداف.. وقد زادت الولايات المتحدة، الشهر الماضي، من تدفق المعلومات الاستخباراتية إلى أوكرانيا، بشأن القوات الروسية في دونباس وشبه جزيرة القرم، في الوقت الذي تستعد فيه القوات العسكرية في كييف للدفاع ضد هجوم متجدد من جانب موسكو في شرق أوكرانيا.. (هناك كمية كبيرة من المعلومات الاستخباراتية التي تتدفق إلى أوكرانيا من الولايات المتحدة.. لقد فتحنا الأنابيب) ، قالها الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة أمام مجلس الشيوخ.