إبراهيم نصر يكتب: قضية بناء الوعى “أخيرة”
قضية بناء الوعى من الأهمية بمكان، لذا كانت تستحق هذا العدد المتوالى من المقالات،
وأرجو أن أكون قد وفقنى الله تعالى فى الإشارة إلى أهم النقاط التى يمكن اعتمادها والتركيز عليها فى قضية بناء الوعى.
وفى ختام هذه السلسلة من المقالات، أجد أنه من المناسب أن أتناول إحدى النقاط الأكثر خطورة فى قضية بناء الوعى،
ألا وهى: الفرق بين القتل والقتال، وأن الخلط بينهما هو السبب الرئيس فى العمليات الإرهابية التى يقوم بها
بعض المضحوك عليهم أو الضالين الذين يعتبرون أن ما يقومون به من قتل جنود وضباط الجيش والشرطة هو جهاد فى سبيل الله،
والحق أنه قتل فى سبيل الشيطان الذى يسكن قلوبهم ويملأ بالشر نفوسهم.
وإن العملية الإرهابية الأخيرة التى قامت بها مجموعة من العناصر التكفيرية وأسفرت عن استشهاد ضابط وعشرة جنود
وإصابة خمسة أفراد، لا تعدو أن تكون عملية قتل عمد يوجب تخليد من قاموا به فى نار جهنم، إذ يقول الله عز وجل
في محكم كتابه: “مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ
فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا..”.
جعل الله جزاءه جهنم
وقال ابن جريج عن الأعرج عن مجاهد في قوله: “فكأنما قتل الناس جميعا” من قتل النفس المؤمنة متعمدا،
جعل الله جزاءه جهنم، وغضب الله عليه ولعنه، وأعد له عذابا عظيما.
ولعل قائل يقول: هذه الآية نزلت فى بنى إسرائيل، ويرد على ذلك ما قاله ابن المبارك عن سلام بن مسكين
عن سليمان بن علي الربعي قال: قلت للحسن: هذه الآية لنا يا أبا سعيد كما كانت لبني إسرائيل؟ فقال: إي والذي لا إله غيره،
كما كانت لبني إسرائيل. وما جعل دماء بني إسرائيل أكرم على الله من دمائنا.
وفي جميع الآيات التي ذكر فيها القتال تؤكد أنه ليس غاية في حد ذاته وإنما هو وسيلة لإقامة العدل بين البشر،
ودفع الظلم والوقوف في وجه الجماعات والمنظمات الإرهابية التي تفقد أتباعها إنسانيتهم، وتجعلهم وحوشاً بشرية،
لا تعرف معنى الرحمة، يأتون على الأخضر واليابس لتحقيق نزواتهم وشهواتهم ومخططاتهم.
وفى تقديرى أن ترسيخ معانى المودة والرحمة والعيش فى سلام، وتوضيح الفرق بين القتل والقتال، يحصن شبابنا
من الوقوع فى براثن الجماعات الإرهابية، وذلك يقتضي أن تشتمل المناهج الدراسية على كل ما سبق ذكره،
فى التعليم قبل الجامعى، بالإضافة إلى تعزيز قيمة الانتماء للوطن والدفاع عنه، والتضحية من أجله، فهذه القيمة
نتمنى أن تكون واضحة فى أذهان الكافة.
له فى القلوب منزلة عظيمة ومكانة فريدة
فالوطن ينبغى أن تكون له فى القلوب منزلة عظيمة ومكانة فريدة، ولا نرضى به بديلا مهما كانت الأحوال ومهما تعرضنا من أجله
لمحن وأزمات، وهذا ما لخصه أمير الشعراء أحمد شوقى بقوله:
بلادي وإن جارت علىّ عزيزةٌ
وأهلى وإن ضنوا علىّ كرامُ
فالشعور بالانتماء للوطن والولاء له هو الذى يجعل المواطنين يهبون للدفاع عنه ضد أى خطر يهدده، ويبذلون الدماء والأرواح
فداء له وزودا عن عزته وكرامته.
وقيمة الانتماء للوطن ليست مجرد كلمة تقال أو أغنية حماسية نرددها فى المناسبات، وإنما هى فى حاجة مستمرة
إلى ترجمة حقيقية لعمل ملموس يرفع شأن الوطن ويعلى مكانته فى السلم والحرب.
وفى الختام لا يفوتنى أن أتقدم بخالص العزاء إلى أسر شهدائنا الأبرار الذين ضحوا بأنفسهم فداء للوطن، وأسأل الله تعالى
أن يلهم أهلهم وذويهم الصبر والسلوان، وأسأله سبحانه أن يمن بالشفاء العاجل على المصابين، وأن يرد كيد من أراد بمصر سوءا
إلى نحره، وأن يأخذهم أخذ عزيز مقتدر.