عبد الناصر البنا يكتب : مملكة الشحاتين

عبد الناصر البنا – الفضائية المصرية

وأنت ماشى فى شارع الملك فبصل تشعر وكأن البلد كلها تحولت بقدرة قادر إلى متسولين ، والويل كل الويل لو توقفت لـ إعطاء أحد من هؤلاء وجبة يأكلها أو مبلغا من المال ، أعتقد أنه لم ولن تكتب لك السلامة وهذا ماحصل معى بالفعل العام الماضى .

ظاهرة التسول التى تكثر فى شهر رمضان ليست ظاهرة تقتصر على مصر وحدها ، وإنما هى موجودة فى دول كثيرة سبق لى زيارتها ، بل أن الدول الغنية مثل دول الخليج أيضا فيها تسول ، وأتذكر وأنا فى مشعر منى لـ آداء فريضة الحج فى التسعينات ، وتصادف أن أوقفت سيارتى ذات الدفع الرباعى وأقمت خيمتى على أعلى ربوه فى جبل منى بجانب خيمة لـ ” دكارنه ” أو “نور” بالفتح ، وهم من محترفى السرقة والتسول ، وهنا كشرت عن أنيابى وقلت لهم بأعلى صوتى إحنا صعايدة ، وأقسمت بالله أنه لو خيط نقص من الخيمة فى غيابنا سوف تكون نهايتهم على أيدينا ، والحمد لله أنهم كانوا حراسا للخيمة والسيارة طوال فترة آداء المناسك .

السينما المصرية كانت سباقة فى تجسيد الظاهرة ولعلنا نتذكر فبلم “المتسول” الذى أذيع فى الثمانينات بطولة الفنان عادل إمام وكيف كانت تدار مملكة الشحاتين من قبل ” سيد زيان ووحيد سيف وعلى الشريف ” وكيف تصنع العاهات كوسيلة لـ إستجداء الناس .. إلخ

والحقيقة أنه حتى وقت قريب كانت هناك شرطة لمكافحة التسول وكان يقبض على هؤلاء المتسولين ويتم حبسهم وملاحقتهم ، وإيداع الأطفال فى مؤسسات الأحداث ، وكانت هناك عشرات القصص التى تروى فى صحف الحوادث ، والتحقيقات الصحفية والمغامرات التى تجرى عنهم ، وعن ظاهرة خطف الأطفال وإستغلالهم فى السرقه والتسول .. إلخ

الدولة المصرية فطنت للظاهره وتوسعت مؤخرا فى برامج الحماية الإجتماعية للقضاء على ظاهرة الفقر والتسول من خلال برامج “حياة كريمة ” و “تكافل وكرامة ” ومد شبكات الأمان الإجتماعى لتصبح مصر بلا عوز ، ودعم الغذاء ببطاقات التموين ، والتوسع فى المعاشات ، وبرنامج فرصة ، وسكن كريم .. وغيرها من المشروعات التى تهدف إلى وقف توريث الفقر .

الحقيقة أننى لـ وقت قريب كنت أنخدع بالأساليب الإحتيالية التى يستخدمها هؤلاء الناس والمحبوكة بشكل درامى

محكم تجعلك تخرج كل ما فى جيبك وانت سعيد للوقوف إلى جانب هؤلاء ، ولكن مع مرور الوقت وتكرار الصدمات ،

تكشفت أن قصصهم مفتعلة ومن وحى الخيال ، والطريف أن تلك القصص تتطور مع مرور الزمن ، اليوم عندما ستقل

سياره تاكسى وهذه الظاهرة تكثر ” مع السيدات ” تجد السائق يجرى مكالمة هى فى الغالب من طرف واحد

ويتعمد أن تسمع أن أمه أو أخته ماتت ومش عارفين يجهزوها ، أو إبنه أو بنته أو حتى زوجته تعرضت لـ حادث

والمستشفى يحتاج لـ مبلغ كبير لزوم الشريحة والمسامير وقصص لاأول ولا آخر لها .

وبما أنى كنت من أشد المتعاطفين مع هؤلاء الغلابه وخاصة ” الشحاتين ” وعمرى مارددت سائلا منهم إلا مجبور

الخاطر لقوله ” وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ ” ، ولدى عشرات القصص بدأت منذ وقت مبكر مع نهاية التمانينات مع متسول

محترف يطبق المثل القائل ” إرحموا عزيز قوم ذل ” .

المكان ميدان رمسيس رجل عليه هيبة ووقار ” عمده ــ شيخ بلد ” بإمكانك أن تقول عليه بدون مقدمات صافحنى

وإحتضنى وأقسم لى بالله أن حافظه نقوده سرقت ، وكل مايريده أن يرجع لبلده ، الحقيقة أننى تأثرت جدا وأعطيته

مبلغا من المال محترما كفيل أن يغنيه عن مد اليد ، ولدى عشرات القصص المشابهه بروايات مختلفة ، وأعتقد أنها

مرت على الكثير منكم ومنكم من تعاطف معها !!

وعندما تكشفت الحقيقة أيقنت أن هؤلاء من محترفى التسول ، وأنها قصص مختلقة ما أنزل الله بها من سلطان ،

وتأكد ذلك عندما وجدت هذا الرجل بعد وقت طويل ” أكثر من عام ” يعيد المشهد copy على رصيف رقم 11

للقطارات المتجهة للوجه القبلى ، وإختفى منى وسط الزحام عندما واجهته وعرف أنى أحد ضحاياه .

حقيقة أنا لم أعد أتعاطف مع أى متسول أبدا ، ولذلك أعطوا الصدقات للفقراء ، والفقير هو الشخص المعدم المتعفف

، ممن ذكرهم الله بقوله ﴿ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ ﴾ والمتعفف إذا رأيته ظننت أنه غنى ، مع أنه فقير أما مصارف

الصدقات فقال الله تعالى عنها : إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ

وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ .

وعلى ذلك يجب على كل واحد منا أن يفتش فى أقاربه أولا ويبدأ بذوى رحمه لعله يجد أحد منهم محتاج فهم أولى

بالصدقات عن غيرهم ممن يمدون أيديهم للتسول فى الشوارع ، ويستجدون العامه فى الأسواق ، وأمام المساجد

ولاعجب أن تجد الـ كثير منهم جعلوها مهنه يمتهنوها من أجل كسب المال أو حاله مرضيه .

ومما لاشك أن هناك أناس دفعتهم الحاجه إلى مد أيديهم كونهم نازحين أو لاجئين من دولهم لظروف الحروب ..

وغيرها ، وهؤلاء أخوتنا فى العروبه والإنسانيه وأكثرهم فى حاجه إلى مد يد العون والمساعدة إليهم مع تحرى

الدقه بالطبع .. كل عام وأنتم بخير وحفظ الله مصر .

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.