جلال حمام يكتب : العدالة الغائبة عن القضية الفلسطينية

(خلال خمسة أيام، فرض العالم عقوبات كثيرة على الرئيس الروسي، فلاديمير بويتن.. لكن بعد سبعين عاماً من قمع الفلسطينيين، لم يقُمقادة هذا العالم بالإجراءات ذاتها ضد إسرائيل، بحجة أنه من غير المفيد فرض عقوبات على تل أبيب).. جاء ذلك في مقطع فيديو مصوَّر، انتشر للنائب الإيرلندي ريتشارد بويد، انتقد فيه ازدواجية المعايير التي يتعامل بها المجتمع الدولي وهيئات الأمم المتحدة، في فرض العقوبات على الرئيس الروسي في غضون خمسة أيام، فيما لم يتم فرض أي عقوبات على إسرائيل التي تمارس انتهاكات جسيمة ضد الفلسطينيين منذ عشرات الأعوام.. قال بويد، إن (المجتمع الدولي يتعامل مع الفلسطينيين كعرق أدنى شأناً، ولاحظت أن قادة العالم استخدموا لغة قوية وصحيحة، عندما وصفوا أفعال فلاديمير بوتين، ولكن هؤلاء القادة لم يستخدموا اللغة ذاتها، وكانوا حذرين في وصف الجرائم بحق الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين، وتم توثيقها من مجلس
حقوق الإنسان.. إسرائيل مارست الاضطهاد الوحشي واللاإنساني ضد سكان غزة أثناء قتالها العسكري الأخير،
وخلال التطبيق المنهجي لقواعد الفصل العنصري في الضفة الغربية، وحينها لم يتجرأ قائد على وصف ذلك بالإرهاب،
ولم تفرض هيئات الأمم المتحدة ولا زعماء العالم أي عقوبات على إسرائيل).
لقد أثارت العملية العسكرية التي تشنها روسيا ضد أوكرانيا تساؤلات فلسطينية وأخرى دولية، حول ازدواجية موقف
المجتمع الدولي وهيئات الأمم المتحدة، في التفريق بين الموقف المُتخذ حول الأزمة في كييف، وممارسات
إسرائيل ضد الفلسطينيين في قطاع غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية.. ولم يكُن بويد وحده الذي انتقد
ازدواجية المعايير الدولية في التعامل مع القضية الفلسطينية، إذ نددت النائبة في برلمان المملكة المتحدة، جولي
إليوت، بالازدواجية في تعامل الغرب مع فلسطين وأوكرانيا، وقالت، (إن العالم يعاقب روسيا لاحتلال أوكرانيا، لكن
الفلسطينيين يسألون: لماذا لا نفعل شيئاً لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لهم، ومن الضروري الاعتراف بهم كدولة وهو
الحد الأدنى لحقوقهم).
المفارقة التي أجراها النائب الإيرلندي ريتشارد بويد، إضافة إلى عقد جلسات متتالية لمجلس الأمن والجمعية
العامة للأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان، وإعلان المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فتح تحقيق بشأن
الوضع في أوكرانيا، كشف عن حجم ازدواجية المعايير لدى المجتمع الدولي، في التعامل مع معاناة الفلسطينيين،
في ظل استمرار ارتكاب إسرائيل ممارسات خارج القانون الدولي.. فخلال العملية العسكرية الإسرائيلية الأخيرة ضد
قطاع غزة، لم ينجح مجلس الأمن، بعد ثلاثة اجتماعات، من إصدار قرار يطالب تل أبيب بوقف العدوان.. وخلال
الاجتماع الوحيد للجمعية العامة للأمم المتحدة، لم يصف أي متحدث قتل قوات الاحتلال لأطفال غزة بالإرهاب أو أي
كلمة إدانة أخرى، بينما استغرق فتح تحقيق في المحكمة الجنائية الدولية، في انتهاكات تل أبيب لحق المشاركين
في مسيرة العودة على حدود غزة نحو عامين، لكن خلال أيام قررت المدعية العامة التحقيق في جرائم روسيا ضد
أوكرانيا.. فهل هل الدم الفلسطيني بالنسبة إلى المجتمع الدولي وهيئات الأمم المتحدة من الدرجة الثانية، وهل
الإنسانية تُصنّف وفقاً للعرق واللون؟.. (أن تتخذ المنظمات الدولية والأممية مواقف فاعلة وسريعة تجاه أزمة أوكرانيا،
بينما تمتنع عن اتخاذ موقف حازم تجاه جرائم إسرائيل، التي امتدت لأكثر من سبعة عقود، ضد السكان في غزة
والضفة الغربية والقدس الشرقية على حد سواء، يعكس ازدواجية في المعاملة وغياباً للعدالة)، كما تقول صحيفة
الإندبندنت البريطانية.
من الضروري أن يتعامل قادة العالم بحيادية، خصوصاً في حق تقرير مصير الفلسطينيين، ويتخذوا قراراً بحتمية إنهاء
احتلال الأراضي الفلسطينية وإقامة دولة لهم.. لكن المجتمع الدولي لا يرغب في التعامل مع القضية الفلسطينية
بإنسانية، ولا حتى وفق قواعد القانون الدولي.. لذلك، من لا يطبّق القانون الدولي في فلسطين، لا يحق له أن
يتحدث عنه في مكان آخر من العالم.. لأن الكيل بمكيالين في المشاكل المتشابهة، يؤثر في مصداقية النظام
الدولي عموماً.. لأن هذا الكيل يصل إلى حد تواطؤ المنظومة العالمية مع إسرائيل،فعلى الرغم من توثيق مؤسسات
حقوقية معتبرة، مثل منظمة العفو الدولية وغيرها، لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في قطاع غزة، فإن العالم
يرفض فرض عقوبات على إسرائيل، وهناك رفض للتحقيق من قبل الأمم المتحدة في تلك الجرائم، على الرغم من
الإنجازات التي يحققها الفلسطينيون في هذا الملف، لأن (الحماية التي تتمتع بها إسرائيل، إضافة إلى الإفلات من
العقاب بسبب التواطؤ الدولي مع نظامها، ومجرد التحقيق في جرائمها لم يحدث، بل إن هناك رفض واسع من
الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي لأي إدانة لها).
منذ بدء الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، اتخذت الجمعية العامة للأمم المتحدة نحو ثلاثمائة وعشرة قرارات، تعالج
الخلاف بين الطرفين، وبعضها يدين إسرائيل ويطالبها بضرورة الانسحاب من الأراضي الفلسطينية، كما اتخذ مجلس
الأمن مائة وواحد وثلاثين قراراً، تعالج بشكل مباشر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لكن لم يطبّق على الأرض أي
منها.. و(كل يوم تنتهك إسرائيل القانون الدولي، وترتكب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، ومنها الحصار الذي
تفرضه على غزة والعمليات العسكرية ضد القطاع، والاستيطان في الضفة الغربية، ونظام التمييز العنصري في
القدس، لكن العالم لم يتحرك، وهذا يوصف ـ على أقل تقدير ـ تواطؤ مع إسرائيل في ارتكابها جرائم ضد الإنسانية).
ولكن، ماذا بشأن الجدل الافتراضي، حول إذا ما حتمت تطورات الصراع الروسي ـ الغربي، خصوصاً مع الغزو الروسي لأوكرانيا إضطرار إسرائيل للدخول في حرب إقليمية على نحو متزامن من عدة جبهات؛ ذلك التساؤل الذي سبق
ودارت حوله نقاشات عديدة بعد انتهاء (حارس الأسوار) في مايو 2021، حينما حدث تغيير لقواعد الاشتباك، وتوحدت
جبهة غزة مع القدس مع فلسطينيي 48، في الوقت نفسه الذي تم إطلاق صواريخ وطائرة مسيّرة من الجبهة
الشمالية، ونُظمت مسيرات جماهيرية من الأردن ولبنان تجاه الحدود مع فلسطين.. إذ تترقب إسرائيل في حال
امتدت شظايا الحرب الأوكرانية إقليمياً، أن يصبح العمق الإسرائيلي، ساحة لتصفية الحسابات، في حال تجاوزت
إسرائيل الخطوط الحمراء، وتحالفت بشكل صريح ضد روسيا لصالح واشنطن والدول الأوروبية، لتقوم روسيا في
المقابل بتوظيف الساحة السورية لصالحها، وإعطاء الضوء الأخضر لكل من الجيش السوري وإيران وحزب الله، بتوجيه
ضربات متزامنة مع جبهة غزة ضد إسرائيل، هذا فضلاً عن كون اليمن تمثل إحدى جبهات التهديد لإسرائيل، بما يُفقد
الأخيرة القدرة على حماية عمقها الاستراتيجي.
والخطوط الحمراء التي أشرنا إليها في الفقرة السابقة، تتلخص في ما حذرت منه وزارة الخارجية الفلسطينية، في
بيان لها، من (استغلال الحكومة الإسرائيلية وأذرعها المختلفة، بما فيها ميليشيات ومنظمات المستوطنين،
للانشغالات الدولية بما يجري في أوكرانيا؛ بهدف تصعيد عدوانها وانتهاكاتها وجرائمها ضد الشعب الفلسطيني)،
لافتة إلى (وجود مخاطر من استغلال إسرائيل للأحداث الدولية في سرقة المزيد من الأراضي الفلسطينية،
وتعميق الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة عامة وفي القدس الشرقية وأحيائها المختلفة، بما فيها حي الشيخ
جراح بشكل خاص)، ومنددة بقرار الحكومة الإسرائيلية بتخصيص نحو ثمانين مليون دولار، لتعزيز تهويد المدينة
المقدسة، في الوقت نفسه، الذي أعلنت فيه الحكومة الإسرائيلية عن (خطة طوارئ) لاستقطاب المزيد من اليهود.
ومع هذا، لم يدرك الجانب الفلسطيني بعدُ، لحظة نضج الأزمة، ولم يتخذ حتى الآن، أي خطوات جادة لتوظيف
الصراع الدائر لصالح القضية مثلما تفعل إسرائيل، خصوصاً مع التحديات العديدة التي يمكن أن تلحق بها، وفي
مقدمتها توظيف إسرائيل للحرب، من أجل تشجيع هجرة يهود أوكرانيا وروسيا لزيادة عدد سكانها من اليهود،
والاستيلاء على الأراضي الفلسطينية.. وقد دعا عضو الكنيست، تسفي هاوزر، إلى اتخاذ جميع الإجراءات الضرورية
لاستيعاب الجالية اليهودية في أوكرانيا ـ والتي تقدر وفقاً لآخر الإحصاءات المعلنة بنحو مائتي ألف ـ بأسرع وقت،
واعتبر أن الأوضاع الحالية فرصة تاريخية أمام تل أبيب يجب إدارتها بحكمة، وتحقيق أهداف إسرائيل كدولة للشعب
اليهودي.!!
حفظها الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.