عبد الناصر البنا يكتب : شئ من الخوف

عبد الناصر البنا – الفضائية المصرية
حوار طويل قبل صلاة الفجر دار بينى وبين صديقى المثقف الذى يشغل مركزا مرموقا فى إحدى الصحف القومية الكبرى والذى إشتهر بتحقيقاته الصحفية الجريئة فى أماكن الصراعات الملتهبة فى العالم ، وكانت مصر وهمومها هى القاسم المشترك فى حوارنا ، الحوار جاءا تعليقا على ماكتبته على صفحتى فى الـ ” فيس بوك ” بعنوان ” كلب الست ” وفيه أتهكم على خدمة تقدمها إحدى الشركات لـ أصحاب القطط والكلاب من خلال سيارة مجهزة تنتقل لـ تقدم لهم بعض الخدمات مثل “الحلاقة والإستحمام أو “الشاور” كما هو مكتوب فى البروشور الخاص بهم وما إلى ذلك من خدمات ، وكنت قد إستحضرت فى بداية المقال قصيدة بنفس العنوان للشاعر الكبير أحمد فؤاد نجم جاءت هجاءا فى أم كلثوم بسبب كلبها الذى عض أحد المواطنين .
ضحك صديقى وقال لى لاتتعجب أننى تلقيت إستغاثة قبل الفطار من إحدى قريباتى الذين من الله عليهم بسعة فى الرزق والمال تفيد بأنها فقدت كلبها ، والحقيقة أنى إندهشت عندما علمت أن سعره يتجاوز الـ “خمسين” ألف جنيه ، وأجمعنا أن إجمالى ماصرف علينا طوال سنوات دراستنا إلى أن وصلنا إلى مانحن فيه لم يتعد الـ خمسين ألف جنيه ، وأردف لى قائلا : يبدو أن الدلع إللى شافه الكلب دا ماشافهوش عريس فى شهر العسل .
الحديث تطرق إلى التفاوت الطبقى وحياه البذخ التى يعيشها الأثرياء وخطورة تلك المظاهر وما تسببه من تراكمات على المجتمع وخاصة أنها توجد حالة من ” الغليان ” قد تؤدى إلى ” الإنفجار” فى لحظة ما لو لم يتم تداركها على وجه السرعة ، تحدثت أنا وصديقى وكلانا مهموم بقضايا وطنه عن ” تماهى ” دور الإعلام والفوضى التى نشهدها فى ظل غياب تام لـ منظومة إعلامية تضبط آداء الإعلام فى مصر ، خاصة فى ظل غياب تام ” ومتعمد” لدور ماسبيرو إعلام الدولة ” ورمانة الميزان ” فى العلاقة بين الدولة والشعب وذاكرة الأمة وأمنها القومى عن” قصد” وتحييده فى ظل عدم وجود بديل له . وهكذا الحال فى كل صحفنا القومية ، وخاصه بعد أن فشلت الهيئات الثلاث فى ضبط منظومة الإعلام فى مصر .
هذه الحالة من “التماهى” قد يكون لها إنعكاساتها الضاره على أمن مصر بمفومه الشامل ، أضف إلى ذلك الإنفلات الذى تشهده وسائل التواصل الإجتماعى والـ Social Media هذا الإنفلات قد يسبب أوجاع إنسانية وإجتماعية كبيرة قد يكون لها أيضا عواقبها التى يصعب تداركها . كما أن الدولة نفسها على مايبدو لى أنها تعمل فى “جزر منعزله” بدون منهج واضح أو خطة محددة وتفتقد لـ المؤسسات التى تدير الأمور وكلها أمور لاتخفى على أحد ولها أيضا مغبتها .
المشكلة أن هذه الحالة من السيولة والتماهى لانعلم إلى متى يمكن أن تستمر ، لأن ترك الأمور هكذا قد يؤدى إلى ما لاتحمد عقباه ، والعجيب أن يأتى هذا فى الوقت الذى تسعى فيه الدولة جاهدة وبأقصى طاقتها وقوتها من أجل توفير الحياة الكريمة للمواطن فى وقت قياسى ، لكن مع غياب الرؤية ليس هناك إعلام قادر على شرح وجه نظر الدولة ، ويبين أهميتة هذه المشروعات للمواطن ،
أما خطر التفاوت الطبقى وحياه الترف والبذخ والإستفزاز الذى تمارسه طبقة الأثرياء التى لاتتجاوز الـ 10% من إجمالى الشعب المصرى ، عندما توظف الدراما ووسائل التواصل الإجتماعى والإعلانات فى إطهار هذا الترف وتعرض المنتجعات والفيلات والكمباوند بأسعار خياليه .. إلخ بدون مراعاة لمشاعر هؤلاء البسطاء ولحالة التقشف التى يعيشها أغلب أفراد الشعب .
وبرأيك ماهو رد الفعل المتوقع لـ شاب خريج جامعة يعانى من الفقر والبطالة ويعجز عن تلبية متطلبات حياته اليومية عندما يقرأ عن فاتورة سحور لـ “تسعة” أشخاص فى أحد المطاعم تجاوزت الـ ” أربعة ” آلاف جنيه فى وجبة فول وطعمية ؟
قد تكون حياه البذخ والترف ظاهرة موجوده ومتأصلة فى المجتمع المصرى منذ عهد الملكية وفترة حكم عبدالناصر ، والمجتمع المصرى يعج بأغنياء فوق الغنا ، وهذا الشىء لاجدال فيه ، لكن حياة هؤلاء الأغنياء لم تكن على المشاع بالشكل الذى نراه الآن ، نعم كانت هناك أفراح وليالى ملاح تقام فى القصور وماشابه ذلك ، ولكنها كانت تقام بعيدا عن أعين الناس ، وكان هؤلاء يطلوا على الناس بالشكل الإجتماعى البسيط ، ويشاركوهم فى المأكل والملبس ووسائل المواصلات .. إلخ
إنما مانراه الآن من ترف ومايسببه من حقد نفسى وإجتماعى يلغى تماما فكرة الحكمة التى أوجدها الله تعالى من تفاوت حال الناس في الفقر والغنى والتى عنها : وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ . وقوله تعالى : نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۚ وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ . وقول رسولنا الكريم (ص) “وارضَ بما قسَمَ الله لك تكُن أغنَى الناس”.
وفى النهاية أعتقد أنه وفقا لما إنتهى إليه برنامج منتدى الصحافة على قناة ” فرانس 24 ” الذى تناول موضوع ” المخابرات والإعلام في العالم العربي .. حان وقت اللعب على المكشوف ، وقال أنه إنتهى عهد التستر على العلاقة القائمة بين أجهزة الاستخبارات ووسائل الإعلام في العديد من البلدان العربية .. إلخ
والسؤال : ما الغضاضة فى ذلك إذا إستدعت المصلحة العليا للبلاد ؟ .. حفظ الله مصر
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.