عبد الناصر البنا يكتب : باب الحديد

مين فينا مالوش ذكرى أو موقف مع ” محطة السكة الحديد ” أو باب الحديد ” أول
محطة للسكك الحديدية فى مصر وخاصة إن كان من أبناء الأقاليم النازحين إلى
القاهرة للعمل أو العلاج أو الدراسة أو الإقامة أو لمجرد الزيارة .. إلخ ،
وكلنا عارفين إن مصر لها تاريخ طويل مع خطوط السكك الحديدية .
مصر تانى دولة فى العالم تنشىء خطوطا للسكك الحديدية بعد بريطانيا وأول دولة
فى أفريقيا والشرق الأوسط
الفكرة بدأت فى عهد محمد على باشا وكان مشغول فى بناء القناطر الخيرية ، وفى
سنة 1851 فى عهد الخديوى عباس حلمى الأول تقرر إنشاء أول خطوط سكك
حديدية بين مصر والإسكندرية على يد الخواجه “روبرت ستيفنسون” و بدأ التشغيل الفعلى سنة 1854 وإنتهت
الخطوط عام 1859 بعد إقامة كوبرى بنها ، وكفر الزيات ، وأصبحت الرحلة بين القاهرة ـ والإسكندرية تستغرق 7
ساعات بدلاً من ٤٢ ساعة .
ومع مرور الزمن توسعت خطوط السكك الحديدية شمالا وجنوبا وشرقا وغربا وأعتقد أن مصر تمتلك شبكة ضخمة
جدا من خطوط السكك الحديدية تخدم أغلب المحافظات المصرية وتنقل الـ ملايين من الركاب سنويا ، وعلى مر
الزمن شهد هذا المرفق سنوات من الإزدهار والإهمال ، وكان دائما محط خيال الكتاب والمؤلفين والمبدعين وكتبت
عنه القصص والروايات والأعمال الدرامية مثل فيلم ” باب الحديد” وغيرها .
وكانت السكة الحديد دوما مثارا للجدل ، والأكثر إقالة للوزراء بسب كثرة الأعطال والحوادث التى لحقت بها ، والعجب
أن تجد مرفقا بهذا الحجم وتقرأ أنه يخسر بالملايين ، رغم كل هذه الممتلكات ، وقد يكون سوء الإدارة هو السبب
فى اغلب الأحيان ، والحق يقال أن الدولة المصرية إنتبهت مؤخرا إلى هذا المرفق الحيوى ولذلك تحاول جاهده أن
ترفع من كفاءته وجودته ، وتنفذ مشروعات قومية عملاقة من شأنها رفع كفاءة البنية التحتية ، وتحديث كامل لـ
أسطول وحداتها المتحركة بصفقات هي الأضخم في تاريخ هذا المرفق العريق .. إلخ
أما قصة هذا الصرح المعمارى العظيم المسمى ” باب الحديد ” وفيمته الأثرية والتراثية بوصفه واحدا ضمن قائمة
المبانى الأثرية فى مصر ، وكونه الأقدم ، وكون إسمه له وقعًا رنانًا ومشوقًا على سمع أي مواطن مصري قديمًا نظرًا
لارتباط القطارات فى هذا التوقيت بنقل الملوك والأمراء وكبار رجال البلاط الملكي .. إلخ قبل أن يصبح مرفقا لـ خدمة
كل أفراد الشعب والناس الغلابه .
فهى ترجع إلى سنة 1856 عندما صدر الـ قرار بإنشاء مبنى محطة مصر ، وأطلق عليها ” باب الحديد ” نظرا لوجود
بوابات حديدية كبيرة كانت تحيط بالميدان ، ورغم إزالتها إلا أن إسم ” باب الحديد ” ظل كما هو ، المحطة صممها
المعماري البريطاني ” أدون باتر ” وصممت على الطراز العربي الإسلامي ، وفى وقت لاحق وضع أمامها تمثال ”
نهضة مصر ” ، ومع مرور الزمن ، وخاصة بعد قيام ثورة يوليو تم نُقل تمثال نهضة مصر إلى مدخل كوبر ى الجامعه ،
وفي عام 1955 وضع تمثال الملك ” رمسيس الثاني ” بعد نقله من قرية ” ميت رهينة” ، وسمي الشارع والمنطقة
المحيطة به باسم ” ميدان رمسيس ” إلى أن تم نقله إلى البهو المعد له فى المتحف الكبير بميدان الرماية .
وعقب ثورة يوليو إهتمت الدولة أيضا بتطوير خطوط السكة الحديدية ، باعتبارها أول خطوط للسكة الحديد تم إنشاؤه
في إفريقيا والشرق الأوسط، والثاني على مستوى العالم بعد المملكة المتحدة ، ولذلك زاد الاهتمام بها وخصوصًا
مع بناء مشروع السد العالي ، فامتدت خطوط السكك الحديدية إلى الصعيد حتى أسوان ، من أجل نقل الركاب
والمعدات والعاملين المشاركين في مشروع السد العالى ، وبعدها أصدر الرئيس جمال عبدالناصر قرارا بتشغيل
قطارات الوقود وإلغاء القطارات البخارية .
الشىء المحزن أن يتم تطوير محطات السكة الحديد فى شمال مصر وجنوبها دون مراعاة للطابع الأثرى والمعمارى
المميز لتلك المحطات ، وكما أن لـ محطة مصر أو ” باب الحديد ” طابعها الأثرى والمعمارى المميز هناك الـ عشرات
المحطات والإستراحات على إمتدادا خطوط السكك الحديدية كان لها نفس الطابع المعمارى المميز ، ولكن جاء
التطوير نقمة عليها وليس نعمة لـ أنه إفتقد للأصول الفنية والمعمارية .
وأخص بالذكر محطة نجع حمادى فى محاقظة قنا التى ترتبطنى بها ذكريات السفر وسنوات الغربة من أجل تحصيل
العلم والدراسة .. إلخ ،
المحطة تم تطويرها لـ أكثر من مرة فى السنوات الأخيرة ، ولكن الكارثة التى حلت بها أن يتم هدم ” التندات ”
المعدية التى كانت تزين أرصفة المحطة العريقة والتى كانت تعد تحفة معمارية فريدة من نوعها ، وإستبدالها بتند
من الصاج لاقيمة لها من الناحية الجمالية والمعمارية ، وكم أأمل أن تحافظ الدولة على ماتبقى من مبانى أثرية
تخص السكك الحديدية بوصفها من الطرز المعمارية النادرة كما تفعل الدول التى تحاول أن تبحث لها عن تاريخ ،
والحمد لله اننا نملك التاريخ ، ولكننا نهدمه بأيدينا عن جهل أو قصد فى أغلب الأحيان .. حفظ الله مصر