اللواء دكتور سمير فرج يكتب : هل يحتفل بوتين بانتصاره علي أوكرانيا يوم ٩ مايو

اللواء دكتور سمير فرج
فجأة بدأت المواقع الإخبارية تنشر تنبؤات مراكز الدراسات الاستراتيجية، في مختلف أنحاء العالم، عن أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، سينهي حربه على أوكرانيا، قبل يوم التاسع من مايو، وهو اليوم الذي تحتفل فيه روسيا، كل عام، بانتصارها على النازي، في الحرب العالمية الثانية. فيشهد ذلك اليوم، عرضاً عسكرياً هائل من الجيش الأحمر الروسي، تستعرض خلاله روسيا أحدث أسلحتها ومعداتها العسكرية، وهو الحدث الذي يترقبه المتخصصين، حول العالم، بشغف، للتعرف على أحدث إصدارات التسليح الروسي، الذي يكون ظهوره الأول، في هذا الاحتفال، من كل عام.
ونظراً لأهمية الحدث، على الخريطة العسكرية العالمية، فقد توقع العديد من المفكرين والمحللين، أن يحاول بوتين إنهاء العمليات العسكرية، وحربه، في أوكرانيا، قبل هذا التاريخ، ليكون احتفال التاسع من مايو، هذا العام، ليس بهزيمة النازية في الحرب العالمية الثانية، فحسب، وإنما يضاف إليه احتفال بانتصاره على الغرب، وأمريكا، وحلف الناتو، ثم أوكرانيا، وتوقيع اتفاق السلام، خاصة وأن الرئيس الأوكراني، زيلينسكي، قد وافق على اعتبار أوكرانيا دولة محايدة، ولم يبق إلا اعتراف بلاده بحق روسيا في شبه جزيرة القرم.
لقد كانت أهداف روسيا الاستراتيجية، عند شن هجومها، على أوكرانيا، يوم 24 فبراير الماضي، هو تدمير البنية العسكرية التحتية الأوكرانية، وهو ما تحقق في الأسابيع الأولى من القتال، بنجاح القوات الروسية في تدمير مراكز القيادة الأوكرانية، والقواعد العسكرية، والطائرات الحربية، ومواقع الدفاع الجوي، والرادارات، لتصبح لروسيا، بعد أسبوعين، فقط، السيطرة التامة على الأجواء الأوكرانية، مما دفع الرئيس زيلينسكي بتوجيه طلب، لحلف الناتو، لاعتبار سماء أوكرانيا منطقة حظر جوي، إلا أن الولايات المتحدة وحلف الناتو رفضا ذلك، باعتباره حرباً مباشرة منهما على روسيا، وهو ما قرارا عدم حدوثه منذ اليوم الأول لاندلاع الحرب.
بعدها بدأت القوات الروسية في حصار كييف، العاصمة، بهدف الاستيلاء عليها، وإعلان سقوط الدولة، إلا أن القوات الأوكرانية تعاملت مع الموقف بذكاء شديد، مستغلة فقدها للسيطرة الجوية أمام روسيا، فانسحبت للقتال في المدن، بدلاً من قتال الجيش الروسي في العراء، وهو المتفوق كماً ونوعاً، فضلاً عما اكتسبه من سيطرة جوية. فتراجعت القوات الأوكرانية لداخل المدن في كييف، وخاركيف وسومي في غرب أوكرانيا، ولفيف في جنوب أوكرانيا، في اتجاه الحدود مع بولندا، اعتماداً على أن حرب المدن، والقتال في الشوارع، هو أسوأ وأصعب أنواع القتال للجيوش النظامية، فنجحت أوكرانيا في أحداث خسائر في الجيش الروسي، الذي لم يجد أمامه سبيلاً إلا اقتحام المدن الأوكرانية باتباع سياسة المدن المحروقة، بمعنى إسقاطها بتدميرها دماراً شاملاً، وهو ما يتعارض مع قرارات الرئيس الروسي بوتين، الذي أعلن رفضه لانتصار عسكري، وخسارة الشعب الأوكراني، باعتباره امتداداً للشعب الروسي، فضلاً عما سيواجه من انتقادات دولية.
وعليه، غيّر بوتين، منذ الشهر الثاني للعملية، خطته الهجومية وعدّل مسارها في اتجاه الشرق، حيث نجح في الاستيلاء على مدينة خيرسون، المطلة على بحر آزوف، ولم يبق إلا القليل لتسقط مدينة ماريبول في يده، وهو الجزء المتصل مع الجمهوريات الانفصالية، عن أوكرانيا، التي اعترفت بها روسيا، قبل بدء الحرب. كما سيشن الجيش الروسي، خلال الفترة القادمة، هجوماً على أوديسا، على البحر الأسود، التي تعد عصب الاقتصاد الأوكراني، ويتم من خلالها تصدير واستيراد كافة احتياجات أوكرانيا. ولو نجح الجيش الروسي في تحقيق تلك الأهداف، فستتحقق له السيطرة على إقليم دونباس، بالكامل، بما يعني السيطرة على بحر آزوف والبحر الأسود، بما سيضع أوكرانيا في موقف صعب، نظراً لأن منطقة دونباس هي أرض مفتوحة، وليست جبلية مثل مناطق كييف، بما سيسهل على القوات الروسية قتال القوات الأوكرانية، خاصة وأن معظم التعزيزات العسكرية التي وصلت لأوكرانيا من حلف الناتو وأمريكا، تم توزيعها في كييف وغرب البلاد، في حين لازالت شرق أوكرانيا تحارب بالأسلحة القديمة.
ومن المتوقع أن تشهد الأيام القادمة، تكثيف روسيا لقتالها في منطقة دونباس، بشرق أوكرانيا، وحرمانها من النفاذ لبحر آزوف والبحر الأسود. وعلى الطرف الآخر سيستمر دعم الولايات المتحدة ودول حلف الناتو لأوكرانيا بنفس الأسلحة الدفاعية محدودة الأثر، والتي تستهدف، بالأساس، مد فترة الحرب لاستنزاف قدرات روسيا المالية والاقتصادية، وحتى يمكن للعقوبات الاقتصادية أن تؤتي ثمارها التي يتمناها الغرب، وهو ما يدركه بوتين، تمام الإدراك، لذا سيعمل، في الفترة القريبة القادمة، على ألا ينجرف لتلك الهوة، بإطالة أمد عمليات القتال، واستنزاف موارده الاقتصادية. وفي المقابل، ومع وعي الرئيس الأوكراني زيلينسكي لحجم الخسارة الواقعة على بلاده، التي يتم تدمير بنيتها المدنية الأساسية مثل محطات المياه والكهرباء ووسائل الاتصال والمطارات، فضلاً عن بنيتها العسكرية، بينما الولايات المتحدة الأمريكية والغرب لا تمده بالأسلحة اللازمة للتصدي للهجوم الروسي، مثل صواريخ الدفاع الجوي والطائرات المقاتلة، أظنه سيسارع في التوصل إلى اتفاق سياسي مع روسيا لإنهاء أعمال القتال.
وهكذا فستنابع، في الأيام القليلة القادمة، إذا ما كان بوتين سيحقق غايته بالنصر قبل التاسع من مايو، أم سينجح الغرب وأمريكا في إطالة أمد هذه الحرب، لتقويض الاقتصاد الروسي، رغم ما سيكون له من أثر سلبي على كل دول العالم

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.