الشيخ إكرامي منير ريحان يكتب : مشروعية صلاة التراويح في جماعة

الشيخ إكرامي ريحان

صلاة التراويح سنة مشروعة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم لفعله بأصحابه وقد قام بهم صلي الله عليه وسلم في العشر الأواخر من رمضان فقد روي النسائي (1364) , والترمذي (806) وأبو داوود (1370) , وابن ماجه (1327) , عن أبي ذر رضي الله عنه قال (صُمنا معَ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّه عليه وسلم رمضانَ فلم يقُم بنا شيئًا منَ الشَّهرِ حتَّى بقِيَ سبعٌ فقامَ بنا حتَّى ذَهبَ ثلثُ اللَّيلِ فلمَّا كانتِ السَّادسةُ لَم يقم بنا فلمَّا كانتِ الخامسةُ قامَ بنا حتَّى ذَهبَ شطرُ اللَّيلِ فقلتُ: يا رسولَ اللَّهِ لو نفَّلتَنا قيامَ هذِهِ اللَّيلة.
قالَ فقالَ: إنَّ الرَّجلَ إذا صلَّى معَ الإمامِ حتَّى ينصرِفَ حُسِبَ لَهُ قيامُ ليلةٍ. قالَ: فلمَّا كانتِ الرَّابعةُ لم يقُم فلمَّا كانتِ الثَّالثةُ جمعَ أَهلَهُ ونساءَهُ والنَّاسَ فقامَ بنا حتَّى خشِينا أن يفوتَنا الفلاحُ. قالَ قلتُ وما الفلاحُ قالَ السُّحورُ ثمَّ لم يقم بقيَّةَ الشَّهرِ)
وقد احيا عمر رضي الله عنه هذه السنة عن رسول الله صلي الله عليه وسلم بان جمع الناس في صلاة التراويح علي امام واحد بعد أن كان الناس يصلونها في عهد النبي صلي الله عليه وسلم أوزاعاً وفرادي بعد أن اعتزلهم النبي صلي الله عليه وسلم ولم يعد يجمع بهم خشية أن تفرض عليهم وكذلك في عهد أبو بكر رضي الله عنه كانوا يصلونها أوزاعاً أي جماعات متفرقة في المسجد , فرأي عمر رضي الله عنه أن يجمعهم علي امام واحد .
فالاجتماع لأداء صلاة معينة في جماعة في حد ذاته هو من الأمور العظام كالاجتماع للجمعة أو الاستسقاء أو الجنازة أو العيدين ويحتاج إلي دليل شرعي , وإلا كان بدعه , إذ البدعة معناها : مقابل السنة (وهي كل محدث في الدين لم يفعله النبي صلي الله عليه وسلم ولا صحابته الكرام رضي الله عنهم ولم يندرج تحت أمر شرعي )
وهي بعيدة كل البعد عن أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم وعن علماء المسلمين في كل العصور , قال صلي الله عليه وسلم (لا تجتمع أمتي علي ضلالة) , وفي رواية سألت الله الا تجتمع امتي علي ضلالة .
ومما تجدر اليه الاشارة هنا : ان النبي صلي الله عليه وسلم إذا ترك أمراً فاما أن يكون قد تركه لمانع , أو لعدم وجود المقتضي ففعله (أي هذا الأمر ) بعد ذلك لزوال المانع أو لوجود المقتضي لم يكن بدعه , والنبي صلي الله عليه وسلم ترك جمع الناس علي التراويح والتهجد لمانع وصرح به صلي الله عليه وسلم فقال خشية ان تفرض عليكم أو تكتب عليكم والمهم ان هذا الفعل له أصل في الشرع يرجع اليه وهو كون النبي صلي الله عليه وسلم صلي باصحابه في رمضان غير ليله ثم امتنع عن ذلك معللا بانه خشي ان تكتب عليهم فيعجزوا عن القيام بها , وهذا قد امن بعد وفاته صلي الله عليه وسلم وانقطاع الوحي (جامع العلوم والحكم 2/783 ).
ومثال ما تركه النبي صلي الله عليه وسلم مع وجود المقتضي وعدم المانع كالاحتفال بمولده صلي الله عليه وسلم واتخاذ المساجد علي القبور وخلافه من سائر البدع التي تركها النبي صلي الله عليه وسلم ولم يرد بها شرع .
إضافة إلي أن ما فعله عمر رضي الله عنه كان بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم , فيعتبر اجماعاً سكوتياً منهم رضي الله عنهم أجمعين , واجماع الصحابة معتبر شرعا وهو بمثابة الحديث المتواتر عن رسول الله صلي الله عليه وسلم , لانهم اما ان يكونوا قد سمعوه (اي هذا الأمر) من رسول الله صلي الله عليه وسلم أو رأوه , وكيف لا واجماع العصور من بعدهم ممن هم اقل منهم رتبه معتبر شرعاً ودليل شرعي فاجماعهم أولي , لانهم عاصروا الرسول صلي الله عليه وسلم واخذوا عنه وهم نقلة القران والسنة فعنهم اخذت وبهم سنت فهم الذين نقلوها عن رسول الله صلي الله عليه وسلم فاثبتوا الصحيح والمتواتر وعملوا به فاصبح سنة , وتركوا الضعيف , وكيف لا يأخذ منهم والرسول صلي الله عليه وسلم هو الذي اعطاهم الأذن بالاجتهاد وأمرنا باتباع اجتهادهم وسنتهم .
قال رسول الله صلي الله عليه وسلم (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ ) .
وعنه صلي الله عليه وسلم أيضا انه قال (أصحابي كالنجوم بأيهم اقتضيتم اهتديتم ).
ومن أمثلة المسائل التي شرعت باجماع الصحابة رضي الله عنهم :- اجماعهم علي ضرورة وجود خليفه بعد رسول الله صلي الله عليه وسلم , اجماعهم علي جمع القران الكريم في مصحف واحد , اجماعهم علي ميراث الجدات , اجماعهم علي جعل التكبيرات في صلاة الجنائز أربعا فقط بعد ان صلها النبي صلي الله عليه وسلم اربعا او ستا او سبعا , وكذلك اجماعهم علي تشريع الاذان الثاني يوم الجمعه وهو الأول إلي غير ذلك من المسائل التي شرعت بناءاً علي اجماعهم واصبحت تشريعاً .
وان كان الاجماع من الأدلة الاجتهادية الا انه حجة ولا ينقض الا بالاجماع , ولم يعلم اجماعا مخالفا لهم في هذه المسائل ومن بينها اجماعهم علي صلاة التراويح في جماعة , فهو تشريع لا مجرد تنظيم كما يفهم البعض أو يدعي وهذا ادعاء في غاية الخطورة , اذ لا تنظيم في العبادة الا بوحي او اجماع , بخلاف امور الدنيا من تنظيم امور الجند وتنظيم الدواوين وخلافه فهذا ممكن ان يطلق عليه تنظيم , اما العبادة فلا تعرف الا بالشرع , لان التقرب الي الله عز وجل ليس بمناسبات العقول ولكن بالشرع المنقول .

نسأل الله السلامة والعافية في الدين والدنيا والاخرة
وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.