لا ينكر أحد، في مصر، أو في العالم العربي كله، أن شهر رمضان، المعظم، له مذاق مختلف ومميز في مصر، بفضل العادات والتقاليد التي عشنا عليها منذ قديم الأزل، بل حتى داخل مصر فإن تلك العادات والتقاليد، تختلف من مدينة إلى أخرى، وكلها تأتي في إطار التقاليد الشعب المصري التي توارثتها الأجيال عبر التاريخ، وأهم ما يميزها هو شكل وأسلوب احتفالات هذا الشهر الكريم داخل الأسرة المصرية، سواء بموائد الرحمن، التي تبرز صور التكافل الاجتماعي في مصر، أو في الاجتماع على ولائم الإفطار، يومياً، في منزل أسرة من الأسر، تبدع خلاله كل أسرة في تقديم أطباقها المميزة من الطعام، والتي تطورت لتصبح ولائم السحور، بدعوة من الأهل والأصدقاء، لضمان قضاء أطول فترة ممكنة في ذلك التجمع، الذي يبدأ من بعد صلاة التراويح، وهو ما توقف، لحد كبير، جراء جائحة كورونا، التي أصابت العالم، ونحن منهم، في العامين الماضيين.
إلا أن عالمنا الحديث، غيّر الكثير من تلك المظاهر، للأسوأ، في رأيي، ورأي الكثيرون مثلي، فاختفت العادات البسيطة، التي تميزنا، والتي طالما أدخلت البهجة على قلوبنا، ولم تعد الأجيال الجديدة على علم حتى بمعانيها، فمن منهم يعرف “المسحراتي”، الذي اقتصر ظهوره على التليفزيون، في الأفلام السينمائية القديمة. كما اختفى احتفال الأطفال، بالمرور على المنازل، حاملين الفوانيس، ومرددين أغنية “حالو يا حالو” الشهيرة، فيما يشبه ما صاروا يحتفلون به من أعياد غربية، ليست أصيلة في مجتمعاتنا. ومن منا لازال يستمتع بالمذاق الخاص للحلوى المصنوعة في المنزل، بعدما صارت العائلات تعتمد على شراء الحلويات الجاهزة. ومن منا يرى، اليوم، الشوارع وقد تزينت، بالزينة البسيطة، اللهم في بعض المحافظات، أو في أحياء القاهرة القديمة في القاهرة، رغم احتفائنا بحرص الدول الغربية على إقامة زينات أعياد الميلاد.
وحتى الأعمال الإذاعية والتليفزيونية، لم تسلم من التغيير، وبعدما كانت البرامج الخفيفة هي سمة أعمال شهر رمضان، وكانت الفوازير تتربع على عرشها، التي بدأتها الراحلة آمال فهمي في الإذاعة، ثم انتقلت للتليفزيون من فوازير نيللي إلى شريهان إلى الراحل سمير غانم، وغيرهم، مع وجود عمل درامي واحد أو اثنين، يجتمع حوله جميع أفراد الأسرة، صارت الأعمال الدرامية تتسابق للعرض في هذا الشهر الكريم، حتى زادت عن العدد الممكن متابعته.
ومع ذلك تظل صلاة التراويح من أجمل شعائر هذا الشهر الفضيل، ومعها صور التراحم والتكافل التي يقوم بها الأفراد أو الجمعيات الأهلية … أعاده الله عليكم بالخير والبركات.