إبراهيم نصر يكتب : قضية بناء الوعى “11”
لا شك أن إذاعة القرآن الكريم تسهم إسهاما حقيقيا فى بناء الوعى، فيما يتعلق بوسطية الإسلام وسماحته وصلاحيته
لكل زمان ومكان، وذلك من خلال علماء أفاضل متخصصين، وبرامج فى معظمها شيقة ولها جمهور عريض،
ولا يفوتنى أن أقدم خالص التهنئة إلى كل العاملين بها، بمناسبة الاحتفال بمرور 58 عاما
على انطلاقها، واستمرار ريادتها ـ إن شاء الله تعالى ـ على مر الزمان، وأقول لهم:
إذا كان شرف الوسيلة الإعلامية يأتى من الموضوعات التى تتناولها والمادة العلمية
التى تقدمها، فلا شىء أشرف ولا أقدس ولا أكرم من كتاب الله عز وجل،
الذى هو أساس ومحور إذاعة القرآن الكريم الذى قامت من أجله وتحيا به، وكذلك سنة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ
التى تتناولها بالشرح والتوضيح، فاستحقت عن جدارة أن تكون أفضل إذاعات العالم، وأكثرها احتراماً واستماعاً،
وما الإحصائيات الرسمية واستطلاعات الرأى منا ببعيد.
رد الفعل الجماهيرى
وبهذه المناسبة دعونا نتذكر ما قاله الإمام الأكبر الراحل الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر الأسبق – رحمه الله –
عن رد الفعل الجماهيرى بانطلاق صوت الوحي من هذه الإذاعة العظيمة الفتية، وذلك في الاحتفال بالعيد العاشر
لإذاعة القرآن الكريم، حيث قال فضيلته: “فإني لا أزال أذكر أننا كنا ذات يوم في مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية،
وجاءتنا البشري بأن الدولة قررت إنشاء إذاعة خاصة بالقرآن الكريم، وسرّنا هذا النبأ سروراً عظيماً، لكننا لم نقدر أثره
في نفوس المؤمنين حق قدره، وتبين ذلك في صورة واقعية يوم أن بدأت المحطـة تذيع، لقد كان يوماً مشهوداً،
وفي ذلك اليوم الأغر سمعنا القرآن المرتل في كل شارع مررنا به، وكان أصحاب المحلات التجارية يستمعون إلي الإذاعة
في متاجرهم، وربات البيوت يستمعن إلي الإذاعة في بيوتهن، والجميع في فرح غامر، وفي استبشار واضح”.
هذا ما عبر به فضيلة الإمام الراحل الدكتور عبد الحليم محمود عن واقع إذاعة القرآن الكريم، منذ انطلقت من القاهرة
في الساعة السادسة من صبيحة يوم الأربعاء 11 من شهر ذي القعدة لسنة 1383هـ. الموافق 25 مارس لسنة 1964م.
سبب إنشاء الإذاعة المباركة
وكان سبب إنشاء هذه الإذاعة المباركة، أن ظهرت في أوائل الستينات من القرن الماضي طبعة مذهبة من المصحف،
ذات ورق فاخر، وإخراج أنيق، بها تحريفات خبيثة ومقصودة لبعض آيات القرآن الكريم، واستنفر هذا التحريف الأزهر الشريف
ممثلا في هيئة كبار العلماء، ووزارة الأوقاف والشئوون الاجتماعية – في ذلك الوقت ـ ممثلة في المجلس الأعلى
للشؤون الإسلامية، لتدارك هذا العدوان الأثيم علي كتاب الله، وبعد الأخذ والرد تمخضت الجهود والآراء عن تسجيل صوتي
للمصحف المرتل برواية حفص عن عاصم بصوت القارئ الشيخ محمود خليل الحصرى علي اسطوانات توزع نسخ منها
علي المسلمين في أنحاء العالم الإسلامي، وكافة المراكز الإسلامية، باعتبار ذلك أفضل وسيلة لحماية المصحف الشريف
من الاعتداء عليه، وبمرور الوقت تبين أن هذه الوسيلة لم تكن فعالة في إنجاز الهدف المنشود، ثم انتهي الرأي والنظر
في هذا الشأن من قبل وزارة الثقافة والإرشاد القومي – المسؤولة عن الإعلام في ذلك الوقت، وعلي رأسها الإعلامي الراحل
الدكتور عبد القادر حاتم – إلي اتخاذ قرار بتخصيص موجة قصيرة وأخري متوسطة لإذاعة المصحف المرتل الذي سجله
المجلس الأعلى للشؤون الإسـلامية، وبعد موافقة الرئيـس جمال عبد الناصر بدأت “إذاعة القرآن الكريم” بمدة إرسال قدرها
14 ساعة يوميا، لتكون أول صوت يقدم القرآن كاملا، وكانت بذلك أنجح وسيلة لتحقيق هدف حفظ القرآن الكريم من المحاولات
المكتوبة لتحريفه، حيث يصل إرسالها إلي الملايين من المسلمين في شتى بقاع الأرض.
وإن شاء الله نستكمل الحديث فى “قضية بناء الوعى” إن كان فى العمر بقية.
Ibrahim.nssr@gmail.com