محمد يوسف العزيزي يكتب : الحرب الأوكرانية تسقط ورقة التوت !

الكاتب الصحفي محمد يوسف العزيزي
كشفت الحرب الروسية – الأوكرانية عن عورة النظام العالمي بعد أن سقطت ورقة التوت عنه بعد تناقض
المواقف وتباين المفاهيم حول حقوق الإنسان واللآجئين ، وحول المسميات التي أطلقوها علي المرتزقة
والإرهابيين حسب مهامهم وطرق توظيفهم واستخدامهم!
 وحول العقوبات والحظر علي توريد السلاح لمناطق النزاع ، وما يدور بشأن العلاقات بين الدول والتحالفات
، وكذلك حول تغيير مفاهيم الأمن القومي حسب الحالة والحاجة ، وحول توجيه الميديا والدعاية وتوجيه
الرأي العام وتضليل المنظمات الدولية لاتخاذ قرارات تبرز انحيازات واضحة وفجه.
الحرب الأوكرانية كشفت بوضوح لا يخفي علي أحد  أن أمريكا ومن خلفها مجموعة أفراد أو مؤسسات
أو كارتيلات أو عصابات منظمة – سميها كما تشاء – تدير العالم اقتصاديا وسياسيا ، ولو أرادت أن يعيش
العالم في سلام لفعلت ذلك ، ولو أرادت أن تنزع فتيل هذه الحرب قبل أن تبدأ لفعلت .. لكنها لا تريد ذلك
تحقيقا لأهداف يعلمها الجميع في الشرق والغرب والشمال والجنوب أهمها هو من يدير العالم ؟
ومن يرسم سياساته الاقتصادية ويتحكم في مناطق الثروة وفي سوق الاستهلاك .
الأدلة علي تناقض المواقف وتباين المفاهيم وما كشفته هذه الحرب للوجه القبيح لأمريكا والغرب كثيرة نسوق بعضها
علي سبيل المثال لا الحصر:
* لا أحد يقر اندلاع أي حرب لما تسببه للبشر عموما من مآسي إنسانية بشعة لا تلتئم جروحها أبدا .. لكن عندما يتعلق الأمر بوجود خطر يهدد الأمن القومي للدولة من وجهة نظرها  يصبح خوض الحرب قرار لا مفر من اتخاذه
 فعندما تعرضت أمريكا لهجوم البرجين أقامت الدنيا ولو تقعدها وقررت ضرب أفغانستان لسنوات تحت مبرر الدفاع عن أمنها القومي وملاحقة تنظيم القاعدة الذي صنعته أمريكا لمحاربة روسيا في أفغانستان وكانت تطلق عليهم وقتها المجاهدون العرب  وفعلت ذلك مع تحالف دولي لهدم العراق واسقاط صدام حسين بحجة وجود سلاح نووي يهدد اسرائيل وأمنها القومي رغم امتلاك اسرائيل للسلاح النووي ، ورغم وجود آلاف الأميال بين أمريكا وكل من أفغانستان والعراق !
نفس الأمر يتعلق بخطر يهدد الأمن القومي الروسي – كما تري روسيا – ومع ذلك تنكر أمريكا والدول الغربية حق روسيا في دفع الخطر الذي يترصدها علي حدودها المباشرة !
* اندفعت أمريكا وأعضاء حلف الأطلسي بتقديم المساعدات العسكرية والأسلحة المتطورة الدفاعية والهجومية إلي أوكرانيا رغم أنها ليست في الحلف الأطلسي أو الاتحاد الأوروبي ، بينما فرضوا حظرا – وما زالوا – علي تقديم سلاح إلي ليبيا لتواجه به الميليشيات والمرتزقة الذين يقفون ضد استعادة استقرار ليبيا بعد أن ضربها الناتو للتخلص من القذافي .. بل غضوا الطرف عن تهريب السلاح إلي المرتزقة والميليشيات !
*حالة البؤس التي يعيشها اللآجئون والنازحون بسبب الحرب في أي مكان تدعو للأسي والأسف لكن الحال في الحرب الأوكرانية يكشف الغطاء عن الازدواجية والعنصرية التي يتسم بها الغرب في التعامل مع اللآجئين من أوكرانيا حيث تفتح لهم الحدود وتمنح الإقامات لسنوات وتقدم الرعاية الصحية والتعليمية والمعيشية والاجتماعية والنفسية بينما كانت معاملة اللآجئين العرب من سوريا والعراق واليمن وليبيا عذاب مقيم وامتهان للكرامة الإنسانية ودهس لحقوق الإنسان وكل المعاني التي يتشدق بها الغرب ويطالبنا باحترامها.
* أمريكا والغرب يسعون لسد النقص في الطاقة والغاز وفي سبيل ذلك يغيرون مواقفهم وقناعاتهم من حلفائهم وأعدائهم ، ولكي تحقق أمريكا نصرا علي روسيا سياسيا واقتصاديا رفعت العقوبات عن الحرس الثوري الإيراني أملا في الوصول لاتفاق مع إيران وطمعا في النفط والغاز ..كما هرولت إلي فنزويلا وتفكر في رفع العقوبات عنها طمعا في بترولها ونكاية في روسيا.
* أوروبا تسمح بتشكيل مليشيات من مرتزقة أوروبيين وأفارقة ومن دول الشرق الأوسط  تمدها بالسلاح لتحارب مع الجيش الأوكراني وتتهم روسيا لنفس السبب عندما تسمح باستدعاء مرتزقة سوريين لتواجه الميليشيات الأوكرانية.
* ما يجري بشأن اكتشاف معامل تنتج أسلحة بيولوجية ترعاها أمريكا علي الأراضي الأوكرانية وما تقوم به الآلة الإعلامية الأمريكية والغربية بكثافة بنفي هذه المعلومات وتضليل الرأي العام العالمي يذكرنا بوزير الدفاع الأمريكي كولن باول عندما ضلل مجلس الأمن وأقنع أعضاءه بوجود سلاح بيولوجي في العراق يطوره صدام حسين ، وأن هذا السلاح تخبئه العراق في سيارات متنقلة ، وكانت هذه الكذبة التي عرفها العالم مبررا للقضاء علي العراق وعلي علمائه وجيشه!.
الحرب الأوكرانية – وحتي تتوقف – ستكشف عن وجه هذا العالم القبيح الذي يبدل المعايير والمفاهيم كما يبدل أحذيته ، ويمارس الانتقاء والعنصرية كما يمارس الرزيلة تحت جنح الظلام!
ويبقي السؤال .. هل يتعلم العرب الدرس في الاعتماد علي أنفسهم وبناء قدراتهم الذاتية بما لديهم من إمكانات وإمكانيات هائلة .. لا سيما وأن العالم بعد هذه الحرب غير العالم قبلها ! أرجو ذلك.
2 تعليقات
  1. نصر انيس يقول

    الله ينور يا أستاذ محمد . تحليل واعى ومستنير لمجريات الأحداث . احسنت يا أستاذ.

    1. محمد العزيزي يقول

      تسلم يا أستاذ نصر .. تحياتي

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.