” لماذا غضب الشيخ ؟ ” .. قصة قصيرة للأديب محمد الشرقاوي

الأديب محمد الشرقاوي

لم يعد لتلك القرية الهادئة حديث إلا عن هذا الحدث النادر والغريب ، ففي الطرقات

جالسون بين سائل ومتعجب ومنتظر ما يفسره أهل الكلام ، وفي المنازل تتحين

السيدات قدوم أزواجهن بإجابة شافية ، وعند المحال التجارية يبحث الزبائن عن

سبب لدى البائعين ، حتى صار الأطفال يحفظون هذا السؤال أكثر من حفظهم

للمناهج الدراسية

، هذا السؤال الذي طرأ منذ وقت قليل وطار مع الهواء حتى اقتحم كل العقول : لماذا غضب الشيخ ؟

كان الشيخ محمود معروفا بسماحته ودفاعه عن الحق ، يسعى دائما للصلح بين الناس ، يسأل عن الصغار والكبار

ليطمئن عليهم ، يزور المرضى ، يسابق الجميع في عمل الخير فيسبقهم رغم كبر سنه ولا يشعر بأي تعب أو

مشقة ، البشاشة تطل من وجهه ، يحترم الجميع ويستمع إليهم ، يؤيدهم في الحق ويعارضهم باللين ويرشدهم

حين يجانبهم الصواب ، يعين المحتاج ويمسح هموم الناس بلا انتظار لشكر ، يشهد بالحق ولو على نفسه وأقرب

الأهل إليه ، تلك هي الصفات التي جعلته كبيرا ومهابا في أعين الجميع بلا استثناء .

في ذاكرة الكبار يتجسد موقف الشيخ حين قام بالتحكيم في خلاف نشب بين ابنه وشخص آخر من قرية مجاورة ،

وبعد التحقق والتدبر أصدر حكمه بإدانة ابنه وتكليفه بغرامة مادية تناسب الخطأ ، أما ذاكرة الصغار فهي حافلة

بمواقف المزاح والمداعبة ، يسلم عليهم بابتسامة صافية ، يقدم لهم قطع الحلوى التي لا تفارق جيوب جلبابه مما

جعل الأطفال والشباب يتسابقون لخدمته إلا أنه كان عفيف النفس يقوم بكل متطلبات الحياة بنفسه ما دام

مستطيعا .

تأتي إليه الأنباء بأن إحدى الزوجات الشابات تقيم في بيت أبيها بعد حدوث خلاف مع زوجها ، يرسل إليها فتأتي

على الفور مع طفلها الصغير ووالدتها ، يرحب بهم ، يداعب الصغير ويجلسه بجواره وبعد أن يأمر أحد أحفاده بتقديم

بعض المشروبات وإعطاء الطفل بعض قطع من الحلوى ، يبدا الحوار لإدراك حقيقة الأمر ، تسرد الزوجة الشابة ما

حدث إلى أن تقول : إن زوجي يجرح كرامتي باستمرار وبكلام مهين ، يطلب منها التوضيح ، لكنها تصمت خجلا ،

تشجعها أمها قائلة : لا تخجلي ، بل اذكري ما يقول حتى تظهر الحقيقة .

تحاول الابنة أن تستجمع قوتها من شدة البكاء ، ترد بصوت متقطع تغمره مشاعر اليأس والحزن : بعد وفاة والدي

ولعدم وجود أخ لي ، لم يعد أحد يسأل عني ، لي أعمام وأخوال ولكن لا أراهم ، تمر الأعياد والمناسبات ولا يطرق

بابنا أحد من أقاربي ، لذلك يعيرني زوجي دائما بكلمة متكررة : أنت مقطوعة بلا أهل ولن يدافع عنك أحد مهما

فعلت معك ، ثم تشير إلى طفلها الوحيد قائلة : إنني صبرت كثيرا من أجل هذا الطفل ، لكنني لم أعد أتحمل . هنا

يهب الشيخ واقفا ويحمر وجهه ويقول بصوت غاضب : كلنا أهلك يا ابنتي ، وانا والدك منذ اللحظة .

على الفور يستدعي الشيخ ذلك الزوج ، يرحب به ويقدم له واجب الضيافة ، يعاتبه بعد أن يستمع إليه ، ينصحه

بحكمة بالغة ، يعطيه درسا رائعا في حسن المعاشرة والمعاملة ، يتفق معه في أمور ويختلف في آخرى ، إلا أنه

ينكر عليه بكل قوة أن يهين زوجته ويجرح كرامتها بأمور لا دخل لها فيها ، يعيد مقولته مرة أخرى : أنا والدها منذ

اللحظة ، يعتذر الزوج عما صدر منه ويتعهد بعدم إهانة زوجته مرة أخرى ، تهدأ الأجواء شيئا فشيئا ، يتم الصلح

بينهما ، تبتسم الزوجة وامها ثم تنتشر سريعا إجابة السؤال الهام : لماذا غضب الشيخ ؟

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.